: آخر تحديث

ثقافة "أنا بخير"

2
2
2

على مدى عملي في الشأن الاجتماعي رأيت «أنا بخير» تتحول من لياقة إلى قناعٍ متين. نقولها كي لا نُدان بضعفٍ مشروع أو نُثقل على من نحب، فنحفظ الصورة ونخسر أنفسنا. حين تغدو ردًّا تلقائيًا تُعيد تعريف القوة على أنها انعدام الحاجة، والأدب على أنه إخفاء الألم، فننشّئ أناسًا ينجزون كثيرًا ولا يملكون لغةً لما يشعرون به.

نلوذ بهذا القناع خوفًا من الوصم، وتحت تربيةٍ تُجيد الصبر الصامت وتفشل في تسمية المشاعر، وفي بيئاتٍ تُكافئ السرعة وتغضّ الطرف عن الكلفة البشرية. الفاتورة تُدفع هادئة: أرقٌ وتوتر، علاقاتٌ سطحية لأن «كلنا بخير»، وقراراتٌ معيبة تصنعها عاطفةٌ مكبوتة. يتكرّر النموذج حين يبدو الوالد أو القائد قويًّا دائمًا، فيرث من حوله أسلوب الإنكار نفسه.

الخصوصية حقّ، أمّا الإنكار فخصمٌ للعافية. يمكن أن نقول: سأتكلم لاحقًا ومع من أثق، دون أن ننفي وجود ما يستحق القول. تكفينا عبارات صادقة مهذبة تشير للحالة دون تفاصيل، وإشارات مقتضبة تفتح باب الدعم. التسمية نصف العلاج؛ دقيقة مساءً لكتابة ما شعرنا به وما نحتاجه غدًا، وحدودٌ رحيمة تحفظ طاقتنا، وطقوسٌ صغيرة — مشيٌ خفيف، ذكر، نفسٌ عميق، اتصال بصديق — تعمل صمامات أمان.

في البيوت يفتح سؤالٌ جيد باب البوح: ما الأجمل اليوم؟ وما الأصعب؟ وفي العمل تُصحّح البوصلة حين يبادر القائد إلى الاعتراف بحاجته لاستراحة وقناةٍ آمنة للحديث. وحين يطول الأرق أو يختلّ الإيقاع أو تُراود أفكارٌ مؤذية، يصبح طلب العون من مختصّ مسؤوليةً لا رفاهية.

ليست الغاية تقريرًا عاطفيًا يوميًا، بل صدقٌ مع النفس. فلْتعنِ «أنا بخير» أننا نعتني بأنفسنا، ونطلب الدعم قبل الانهيار، ونخلع القناع حين يثقل القلب. عندها فقط نبدو بخير لأننا بخير حقًا.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.