: آخر تحديث

في مسألة الاعتراف الدولي

5
4
4

طلال صالح بنان

الثلاثاء، قبل الماضي، صدر من نيويورك، التي هي عاصمة النظام الدولي، إعلان يطالب النظام الدولي وأعضاءه (الدول) الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مما يعكس توجّهاً أممياً، نحو قيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين التاريخية، تقاسماً مع دولة (إسرائيل). هذا الأمر ليس جديداً، بل استحقاق للشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة، بموجب قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: ١٨١، لسنة ١٩٤٨، تماماً، كما هو حال الدولة العبرية.

جهد أممي محمود، يعكس حباً أصيلاً للسلام، قادته المملكة العربية السعودية وفرنسا، لإحياء قرار أممي، صدر من النظام الدولي، في حق الشعب الفلسطيني، تأخر تطبيقه، لما يقرب من ثمانين عاماً، بسبب رفض إسرائيل، الطرف الآخر، المعني بذلك القرار، الذي هو راجع لاحتلال الدولة العبرية، لكامل أرض فلسطين التاريخية، بعد حرب الأيام الستة (٦-١١ يونيو ١٩٦٧)، حين استولت إسرائيل على كامل أرض فلسطين التاريخية، مع أراضٍ تابعة لثلاث دول عربية أخرى (مصر، سوريا، والأردن)، بالإضافة لمدينة القدس، التي خضعت للوصاية الدولية، بموجب قرار التقسيم.

أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، التي ذكّرت العالم بالتطبيق الكامل لقرار التقسيم، طبعاً: مع الفارق في مواصفات الدولتين، من حيث السيادة الكاملة والهوية الدولية للدولة الفلسطينية، التي يراد قيامها، جنباً إلى جنب لدولة إسرائيل، تقاسماً، لأرض فلسطين التاريخية، بتواطؤ أممي، بداية بزوغ نظام الأمم المتحدة، عقب الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥). إذن، بدايةً: مشروع إقامة دولة فلسطينية، على أرض فلسطين التاريخية، يؤسّس له بشرعية أممية، بموجب قرار أممي، تماماً: مثل إسرائيل. فالدولة الفلسطينية، من ناحية القانون الدولي، هي دولة معترفٌ بها، في نفس اليوم، الذي أُعلن فيه قيام إسرائيل، بموجب قرار التقسيم.

عموماً: من الناحية السياسية والقانونية: هناك ثلاثة عناصر أساسية (مادية) لقيام الدول، إذا ما توفرت هذه العناصر الثلاثة وهي: الشعب.. والإقليم، والحكومة الوطنية تنشأ الدولة القومية الحديثة. هذه العناصر الثلاثة متلازمة بعضها ببعض، في تكامل عضوي سياسي وقانوني وتاريخي. الدولة باختصار هي: إرادة شعب في ممارسة حقه بتقرير مصيره بقيام دولته المستقلة، ذات السيادة، على إقليمه، تحكمه حكومة وطنية، تفرض واقع سيادة إرادة الشعب (الحرة)، على كلٍ من الحكومة والأرض.

متى توفرت هذه الشروط الثلاثة، تقوم الدولة. ومن حق الدولة ممارسة حقها السيادي، في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول أخرى أو قطعها.. ومن حقها السيادي أيضاً الانضمام للمؤسسات الدولية القائمة، أو اختيار العزلة الدولية.. ومن حقها السيادي،: عقد المعاهدات الدولية والاتفاقات الدولية والدخول في الأحلاف والتنظيمات الأممية، من عدمه.

باختصار، «الاعتراف الأممي» ما لم تتوفر عناصر الدولة (المادية) الثلاثة الأساسية، أولاً: ممكّن وأن يشكّل (عواراً) سياسياً وقانونياً، يطعن في شرعية الدولة، وليس بالضرورة، يدعم شرعية وجودها محلياً ودولياً. هذا ينطبق بصورة خاصة، على إسرائيل (القائمة) ودولة فلسطين المزمع قيامها، لما يعنيه ذلك نشأتهما بقرار أممي، وليس بإرادة شعبهما الحرة. الفرق بين الحالتين: أن إسرائيل من اليوم الأول وقبل قيامها عملت على بناء عناصرها المادية الأساسية، ولو اغتصاباً، بينما دولة فلسطين، من البداية حيل بينها وبين إكمال تأسيس عناصر الدولة (المادية) اللازمة لقيام الدولة الفلسطينية، بفعل حالة الاحتلال الإسرائيلي للأرض والقمع الوحشي للشعب، والأهم: عدم السماح بقيام حكومة فلسطينية، وليس مجرد «سلطة» تمارس السيادة الكاملة، على «نصيب» الدولة الفلسطينية، من أرض فلسطين التاريخية، هذا إذا ما سلمنا أن وجود إسرائيل نفسها على أي شبر من أرض فلسطين التاريخية، مشرع أصلاً.

فعدم زوال الاحتلال، الذي يحول دون توفر العناصر الأساسية (المادية) اللازمة لقيام الدولة الفلسطينية، إنما يشبه من يضع العربة قبل الحصان، فلا تستطيع العربة جر الحصان، ولا يستطيع الحصان دفع العربة. من هنا جاءت مشروعية مقاومة الاحتلال، التي يقرها القانون الدولي، الذي يتفوق، قانونياً وأخلاقياً، على التزام الدول السيادي، بالدفاع عن نفسها، بالجدل حول حصانتها الدولية، إذا ما تجاوزت ذلك، لحرمان الشعوب من حقها المشروع في تقرير مصيرها، بقيام دولتها القومية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد