لم تحمل التصريحات الأخيرة بشأن "السلام" أو "التطبيع" جديدًا يُذكر؛ إذ لم تكن سوى إعادة إنتاج لرؤية قديمة ترسّخت منذ وعد بلفور، ومفادها أن الكيان الصهيوني ليس كيانًا طبيعيًا في جسد الأمة العربية، بل جسمٌ غريب زُرع فيها بدعم من قوى استعمارية كبرى، بدءًا من بريطانيا، وانتهاءً بالولايات المتحدة الأميركية.
فمنذ نشأته، كان هذا الكيان ولا يزال مشروعًا توسعيًا، يستند إلى أجندة صهيونية عالمية، مدعومة بشبكات نفوذ متغلغلة في مفاصل السياسة والاقتصاد والإعلام، تعمل بذكاء ودهاء على تنفيذ مخططاته في المنطقة. ومن يتأمل سجلّ هذا الكيان، يرى سلسلة طويلة من الخيانات والدسائس والاعتداءات، التي لم تطل الشعب الفلسطيني وحده، بل استهدفت كل محاولة عربية للوحدة أو النهوض.
لقد أثبتت التجربة - قديمها وحديثها - أن هذا الكيان لا يُؤتمن، ولا يمكن الوثوق به، وأن مسيرته السياسية والعسكرية مليئة بالمراوغة والانتهازية. فكل مبادرة للسلام، وكل اتفاق تطبيع، لم يكونا سوى أدوات لامتصاص اللحظة، وتكريس واقع الاحتلال، وتوسيع رقعة النفوذ.
وما لم تُدرك الدول العربية أن هذا الكيان يعمل بمنهجية تخريبية عميقة تستهدف أمنها واستقرارها وهويتها، فستظل تدفع الثمن فرادى، كما يحدث اليوم.
إن الحل لا يكمن في مزيد من التنازلات، بل في استعادة الحد الأدنى من الإجماع العربي، وبناء موقف سياسي وعسكري موحد، يردع هذا الكيان الغاصب، ويضع حدًا لعبثه المتواصل.
فالخلاصة التي تؤكدها التجربة: لا أمل في تحصين مستقبل الأمة، ولا سبيل إلى تحقيق أمنها، ما لم تتوحد إرادتها في مواجهة هذا الكيان الغريب، الذي يعبث بأمنها وكرامتها ومصيرها.