إيلاف من الرباط: أثار مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة في المغرب نقاشاً محتدماً بين الحكومة والمعارضة، دفع مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) إلى طلب رأي استشاري من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مضامينه.
وبادرت الحكومة إلى التفاعل مع هذا الطلب، حيث عقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية للحكامة) جلسة استماع لوزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، الذي قدم عرضاً مفصلاً أمام لجنة الإعلام والمعرفة التابعة للمجلس، أوضح فيه أن المشروع استند إلى خلاصات عمل اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، المحدثة بموجب القانون رقم 15.23، والتي سلمت تقريرها للحكومة في 5 يوليو 2023. وأبرز أن التقرير كان نتيجة مشاورات موسعة مع سبع هيئات مهنية تمثل الصحافيين والناشرين، إضافة إلى تقارير قطاعية سابقة وتجارب دولية اعتمدت في الغالب على آلية الانتداب لتشكيل مجالس الصحافة.
وذكر بنسعيد أن المشروع يشكل استجابة لحاجة موضوعية وملحة تتوزع على ثلاثة مستويات مترابطة، منها المستوى المؤسساتي الضامن لاستمرارية المجلس وتفادي الفراغ القانوني، والمستوى الوظيفي لتعزيز صلاحيات المجلس وتوضيح مهامه بما يكفل نجاعة أكبر في ضبط المهنة وتسوية النزاعات، والمستوى المهني لتقوية تمثيلية الصحافيين والناشرين ومواكبة التحولات التي يعرفها المشهد الإعلامي بما يضمن التعددية وجودة الممارسة.
وبخصوص مضامين الإصلاح، أوضح الوزير بنسعيد أن المشروع أحدث لجنة خاصة يرأسها قاضٍ لتفادي أي فراغ مؤسساتي، على أن تنتهي مهامها بمجرد الإعلان عن نتائج انتخاب ممثلي الصحافيين وانتداب ممثلي الناشرين. كما نص المشروع على تقليص عدد أعضاء المجلس من 21 إلى 19 عضواً، موزعين بين 7 صحافيين مهنيين، و9 ناشرين، و3 ممثلين عن المؤسسات والهيئات.
ولضبط الجوانب الإجرائية لانتخاب وانتداب أعضاء المجلس، أوضح الوزير المغربي أن المشروع نص على إحداث لجنة إشراف من داخل الجمعية العامة للفصل في النزاعات، إلى جانب لجنة مؤقتة لتسيير شؤون القطاع برئاسة قاضٍ ينتدبه المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تتولى الإشراف على الانتخابات والإعلان عن نتائجها النهائية.
وبينما كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يستمع لعرض الوزير، دخلت لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) في مرحلة المناقشة التفصيلية للمشروع وتقديم التعديلات المقترحة، في أفق عرضه على جلسة عامة للمصادقة خلال الدورة الخريفية المقبلة، التي يفتتحها الملك بخطاب سامٍ في الجمعة الثانية من أكتوبر.
جدل داخل المعارضة والهيئات المهنية أثارت مضامين المشروع انتقادات واسعة داخل فرق المعارضة والهيئات المهنية، التي رأت فيه مساساً باستقلالية المهنة وإضعافاً لفعالية التنظيم الذاتي للصحافة.
وسجلت المعارضة اعتراضها على تغيير آلية انتخاب أعضاء المجلس، معتبرة أنه يقلل من استقلالية المؤسسة ويخل بتمثيلية الصحافيين، في تناقض مع فلسفة التنظيم الذاتي المنصوص عليها دستورياً. كما رفضت اعتماد رقم المعاملات كشرط لانتداب الناشرين، بدعوى أنه يقصي المؤسسات الإعلامية الصغيرة والمتوسطة ويضعف التعددية داخل المشهد الصحفي.
أما النقطة الأكثر إثارة للجدل فتتعلق بمنح المجلس صلاحية توقيف الصحف عن الصدور بدل القضاء، وهو ما اعتبرته المعارضة والهيئات الحقوقية "تراجعاً خطيراً" عن مبدأ الفصل بين السلطات و"خرقاً" للضمانات الدستورية المكفولة لحرية الصحافة.