علي عبيد الهاملي
في تصريحاته الأخيرة، بدا عبدالفتاح البرهان أكثر صراحةً من أي وقتٍ مضى في تأكيده أن خيار الحرب ما زال هو البوصلة الوحيدة التي يهتدي بها، وأن أي حديث عن السلام في هذه المرحلة وهمٌ لا مكان له في حسابات استعادة الدولة، كما يدّعي.
هذه التصريحات لم تكن مجرد موقفٍ سياسي، بل تعد إعلاناً صريحاً بأن الرجل حسم أمره، وأن كل ما قيل أو أُوحي به سابقاً عن بوادر انفتاحٍ أو رغبةٍ في حلٍّ سلميٍّ لم يكن سوى سحابة صيفٍ مرّت سريعاً. وبهذه اللهجة، أغلق البرهان الباب الذي ظن البعض أنه بدأ يُفتح، مؤكداً أنه ماضٍ في الطريق ذاته، الطريق الذي يزداد ظلاماً كلما تقدمت فيه خطوات الحرب.
في لحظةٍ بدت وكأنها تفتح نافذة أمل على سماءٍ أثقلتها سنوات من الدخان والدم والدمار، خرج البرهان قبل فترةٍ بتغريدةٍ مقتضبة، شكر فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لكن الحقيقة التي تكشفت سريعاً كانت صادمة، إذ تبين أن تلك الإشارة العابرة لم تكن سوى موجةٍ صغيرةٍ في بحر تهيجه جماعة ترى في السلام هزيمة لها، لأنها لا تعيش إلا في ظل الانقسام. فالتغريدة التي أثارت شيئاً من التفاؤل لدى من يريدون للسودان أن يخرج من دوامة الجنون، تحولت في نظر خصوم البرهان قبل حلفائه إلى «زلة سياسية» لا ينبغي أن تتكرر.
وفي تلك الغرف، يجلس اللاعبون الذين لا يريدون للحرب أن تنتهي، لأنها مصدر نفوذٍ لهم، ولأن أي حل سلمي يعني نهاية امتيازات راكموها طوال سنوات من التغلغل في مفاصل الدولة. ولأن البرهان، مهما حاول أن يبدو مستقلاً في قراره، لا يتحرك بعيداً عن ظل التيار الذي يسيطر على المؤسسة العسكرية، فقد جاء التراجع سريعاً.
يعرف السودانيون قبل غيرهم أن البرهان ليس سيد قراره. فالمجموعة التي تمسك بمفاصل الجيش، من ضباط محسوبين على جماعة«الإخوان» إلى شخصيات مدنية تنتفع من استمرار الحرب، تضغط في اتجاهٍ واحد، ألا يرفع السلاح عن الكتف قبل استعادة السيطرة الكاملة.
وإذا كان البرهان قد حاول لوهلة اختبار نبرةٍ مختلفة، فإن تلك المحاولة لم تصمد.
إن القراءة الهادئة لما جرى تقول إن التغريدة لم تكن تحولاً، بل لحظة اضطراب مؤقتة واجه فيها البرهان ضغطاً دولياً واضحاً.
لقد أضاع البرهان فرصة كان يمكن أن تُسجل له، فرصةً كان السودان في أمسّ الحاجة إليها. واختار، مرة أخرى، طريق الحرب الذي يفضله الكيزان، الذين لم يترددوا في إفساد تغريدته قبل أن يجف حبرها.

