يشمل التبرّع بالأعضاء الكلية والقلب وجزءاً من الكبد، الرئتين، القرنية، أو أي نسيج سليم. ويعتبر التبرّع عملاً إنسانياً رفيعاً، يشمل كل دول العالم، عدا أفغانستان، ويمثّل قمّة نكران الذات، خصوصاً قبل الممات.
يخضع الاستئصال الطبي للأعضاء، بعد الوفاة، لشروط دقيقة، لحماية كرامة المتوفّى، وسلامة الأحياء، وضمان نجاح الزراعة، وبعد التحقّق التام من وفاة المانح. كما أن لكل عضو يتم التبرّع به «فترة زمنية» قصوى يبقى فيها صالحاً للزراعة. فالقلب والرئتان مثلاً يبقيان لنحو 4 إلى 6 ساعات، والكبد من 12 إلى 18 ساعة، الكلى حتى 24 ساعة تقريباً، مع الحفظ الجيد في محاليل تبريد خاصة، وهكذا.
تحرّم كل دول العالم تقريباً استئصال الأعضاء، التي تمسّ الهوية الوراثية أو التناسلية، مثل الغدد التناسلية والخلايا الجنسية. كما تمنع اللوائح الطبية والفقهية بيع الأعضاء أو تلقّي مقابل عليها، ومع هذا نجد، بين الفترة والأخرى، من يعرض، بلوحات على الأرصفة، دفع مبالغ كبيرة لشراء «أعضاء بشرية».
* * *
من منطلق حرصها على تعميم «فضيلة التبرّع»، قامت الجمعية الكويتية لزراعة الأعضاء، التي تأسست قبل 40 عاماً، ويديرها نخبة من الأطباء الأكفاء، وبعد منافسة قوية من كوريا وتايلند، باستضافة المؤتمر العالمي الـ19 للجمعية الآسيوية لزراعة الأعضاء، بمشاركة أكثر من 700 متخصص، بينهم 120 متحدثاً، قدم أغلبيتهم من مختلف دول العالم، وكان المؤتمر برعاية وزير الصحة، وحضور سفراء الدول الآسيوية المشاركة.
كان من بين الضيوف المدعوين للمؤتمر البروفيسور البريطاني كيرچ رانداوا، رئيس مركز بحثي متخصص في جامعة في بريطانيا، الذي جلب معه نسخاً من كتاب طبي فقهي متخصص، ألّفه مع آخرين، يتعلّق بالتبرّع بالأعضاء في الإسلام، لتوزيعه مجاناً على المشاركين في المؤتمر. بسبب كراهية «وزارة الإعلام» للكتب وشكّها بمحتوياتها، قامت بمصادرة نسخ الكتاب للتأكّد من أن محتواه لا يشكّل خطراً على الأخلاق. كما قام المعنيون في الوزارة بالتحقيق مع البروفيسور، لجلبه كمية كبيرة من ذلك الكتاب، ولم تشفع له كل سيرته الطبية المميزة، ولا شهاداته وصوره مع كبار القادة، في أن يعامل بطريقة أفضل.
انتهى المؤتمر، وربما تأسّف من اقترحوا عقده في الكويت، وحاربوا من أجل ذلك، وغادر الضيوف «مطار الكويت الدولي»، قبل أيام، وما زالت الكتب تحت القيد والدراسة، وقد تُصادر، علماً بأن الكتاب نفسه تم توزيعه في أكثر من مؤتمر مماثل، كان آخرها، الذي عقد في أبوظبي، قبل عام.
باختصار، جريمة الكتاب تضمّنه آراء ومساهمات من رجال دين، من مختلف المشارب، في ما يتعلق بالتبرّع بالأعضاء، ويتيح لقارئه فهماً للتقاليد الإسلامية والمنهجيات الشرعية المختلفة، كما يُقدّم بحوثاً نوعية، تتناول آراءً والمخاوف المحتملة للعائلات المسلمة تجاه التبرّع بأعضاء أحبتها، إضافة إلى سرد لعمل الأكاديميين والمدافعين عن حقوق المجتمع، الذين يتواصلون مع المجتمعات الإسلامية المتنوعة، لتزويدها بالمعرفة والأدوات اللازمة لاتخاذ قرارات مدروسة بشأن التبرّع.
ما حدث مؤسف، وربما محزن جداً. فإلى أين ستنتهي الحال بنا؟
أثناء ذلك «سلّم لي» على الانفتاح!
أحمد الصراف

