عبدالله الزازان
في أمسية ثقافية، أهداني الشاعر نواف بن منصور الشلهوب، مجموعة من إصداراته الشعرية «زاهية، بياض، خراف» والتي تجمع ما بين الحس الفني، وعمق المعنى، وبراعة الأسلوب، والموهبة الفطرية، والصور الشعرية المبتكرة. لنتأمل هذه الأبيات: كم قلت لك يا غاية الروح والعين أنك هنا قلبي وشوفي وسمعي ليتك ثواني داخل الجوف توحين صوت السعادة الثايرة، وسط نبعي وليتك تهدي روعتك بس يومين حتى طباعك تأخذ أشباه طبعي فالشلهوب شاعر فذ، أتقن فن الشعر، يتميز شعره بالصور الإيحائية الجذابة، والجمال الفني، واللغة المتجددة، لنقرأ: ولم لها هالقاف بن ومعاميل وشب الفكر ضوه في حس ثاير يرشف من النظرات خنة بها هيل ويزلها فنجال بالشوق فاير تناولت مشروبا يحوي تفاصيل نظرة ونظرة والمسرة تطاير اللي يقول الزين يضوي لنا الليل أقول يضوي الليل والصبح غاير يتصف شعره بالإيقاع العاطفي، والمهارة الفنية، والبراعة في صياغة الأبيات والتي أضفت على شاعريته طابعا جماليا وإمتاعا فنيا: لا يا بعد من عاش للحب يهوى واللي كواه الشوق وأفناه محتاج لا يزعجك مرواح منهو تعزوى في عز ضيقك بالردى والتمكياج كل المشاعر حولك أنتِ تقهوى وبصوت واحد ليتها فوقنا تاج جيتك وليتك تعرفي مين أضوى من البدر لين ارتمى فـ ليلنا سراج يكتب نواف أبياتا خارج القوالب النمطية، مفعمة بالحيوية، تخاطب الذات: هذي المشاعر بأجود القاف مهداة من بر شعري مع سماه ومحيطه كل ما ضحكتي تبتسم لك جمادات واذا مشيتي تسعدين البسيطة عاش نواف حياة مزدوجة كشاعر ملهم، وشخصية عامة بارزة، خلقت له تفاعلا عاطفيا ووجدانيا وفنيا، وشكلت له حضورا لافتا في المحافل الشعرية، حيث حظيت أمسياته، بحضور واسع، وتفاعل إيجابي، ما يعكس تأثير كلماته في الوجدان، جعل أمسياته تجربة تتجاوز الحدث، فشاعريته المرهفة وأبياته العذبة، تجد انسجاما وجدانيا، يتجاوز مجرد قراءة الأبيات إلى ملامسة الروح: ابتسامتها على شوفي حسن من قرتني وأنا مستأنس كثير وأصبحت من دون ما تشعر وطن للقصايد، للجواهر، للحرير ليتها دايم مع عيني جفن ما تحط شوي في يومي وتطير دام أثرها في الحزين وفي الحزن مثل رد الشوف في عيون الضرير تشبه الحلم اللي يشبه له حضن وحسها بين ابتهالات وخرير وسحرها لو هو مسافات وزمن من جبل سلمى إلى سودة عسير يقول الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن: اعتقدت أنني من محبي الشعر، فاكتشفت أن نواف عاشق له. وقد صدرت مجموعته الشعرية «بياض» في عام 2010م. وفي عام 2016 صدرت مجموعته الشعرية زاهية. وفي عام 2025 صدرت مجموعته الشعرية خراف. يحاول الشاعر تطوير ذائقته الفنية، ومهارته، واكتشاف أساليب جديدة، لنتأمله في هذه النصوص: مرتكي للمر الأبلج وارتكي للمرار اللي سكن بين السطور ما تململ يوم أو يوم اشتكى حاضر دايم إذا عز الحضور ويقول: يا ناعمة والوقت يومه عطانا من الهنا ساعات من شوق وعناق عود علينا بالشقا من ورانا وما ندري إلا والجفا وسط الأعماق ويقول: راحت الفرقى علينا يوم طولت اللقا ما بقى لي غير زولك جعلني ما أعدمه ناوي المجلاس فيني لين تتلف ما بقا ! طالبك لا جيت ساري ما حفرته تردمه من متى هذي علومك ولمتى هذا الشقا ؟ رد بعيونك عيوني للخفوق الترجمة كل شاعر يمتلك أسلوبًا يميزه عن غيره، فالشاعر اليوم أصبح ينجذب إلى الجمهور، حيث يمثل له دافعًا إلهاميًا وإبداعيًا في علاقة ديناميكية معه، تقوم على التأثير المتبادل، فالحياة العصرية تميل إلى التواصل الإنساني، وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي، في خلق تفاعل حي بين الشاعر والمتلقي، وكان للشلهوب حضور واسع سواء على مستوى الأمسيات، أو المجالس والمنتديات والصالونات الأدبية، أو منصات تواقيع الكتب في معرض الرياض الدولي للكتاب، وأضاف له ذلك الحضور الواسع، قيمة رمزية وفنية وشخصية، حيث لاقت أشعاره رواجًا واسعًا. ولكن هل الشعر معيار للقيمة الاجتماعية؟ تاريخيًا كان امتلاكه سببًا للوجاهة والمكانة الاجتماعية. أذكر في التسعينيات الميلادية أن الشعر الشعبي كان يمنح مكانة اجتماعية للشاعر، فقد كانت حدود الوجاهة والشعر متداخلة بصورة طبيعية، ولكن تراجعت مكانة الشعر مع تنوع أشكال التعبير، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمنافسة مع أشكال الترفيه الأخرى، وتحول من فن عام مركزي، إلى مركز ثانوي، وانحصر دوره وتأثيره في المجال الأدبي. ولكن العالم الافتراضي أدخل الشعر عالمًا آخر يعرف بالشعر الرقمي الذي يركز على الشهرة والنجومية والمال، فالشاعرة الكندية من أصل هندي روبي كور، دخلت عالم الشهرة عن طريق الانستقرام، خاصة مجموعتها الشعرية «حليب وعسل» والتي وصلت مبيعاتها إلى مليونين وخمسمئة ألف نسخة في أقل من 6 أشهر، حيث أصبحت مجموعتها الشعرية أكثر مبيعات الشعر في القرن الواحد والعشرين على رأي صحيفة نيويورك تايمز، ولقيت نجاحًا تجاريًا واسعًا، حيث تحظى بمتابعين عبر المنصات الرقمية، فقد تعاملت مع الشعر كمشروع استثماري، حيث باعت ملايين النسخ من خلال الانستقرام وموقع أمازون، وقاعات الأمسيات الشعرية الكبرى في أوروبا وأمريكا، وحظيت بظهور إعلامي كبير على القنوات الإعلامية العالمية والمنصات الدولية، وترجمت مجموعتها الشعرية إلى 25 لغة. وتعد اليوم من أكثر الشاعرات الشابات تأثيرا في العالم. ولكن هل الشعراء العرب الجدد يستهويهم الشعر الرقمي ومنصات الشعر الإلكترونية؟ خاصة بعد أن أنتج الشعر الرقمي نوعًا خاصًا من الجمهور يتواءم مع طبيعة العصر الرقمي. حيث يتيح الشعر الرقمي تفاعلا بين الشاعر والجمهور، حيث أسهمت العولمة والإنترنت والثقافة الشبابية والإعجاب الظاهري، في إشاعته عالميًا عبر الفنون البصرية والسمعية، والنص الحر، والصورة، والحركة، والصوت، لخلق تجربة حسية وبنية تفاعلية. واليوم، أصبح الشعر الرقمي جزءًا من حياة الجيل الرقمي، فهل يدخل الشاعر نواف الشلهوب عالم الشعر الرقمي، خاصة بعد أن جرب الأمسيات الشعرية والتوقيع على منصات معارض الكتب، والأشعار المغناة، والإنشاد الصوتي عبر FM. لا أعتقد كشاعر تفاعلي أن يبقى بمعزل عن الشعر الرقمي، والفضاءات والمنصات الرقمية.الشلهوب والعصر الشعري الجديد
مواضيع ذات صلة

