عبدالعزيز سلطان المعمري
الثاني من ديسمبر في الذاكرة والفكر الإماراتي ليس مجرد تاريخ أو ذكرى ليوم إعلان اتحاد (7) إمارات، المسألة أعمق من ذلك بكثير، فالاحتفال بعيد الاتحاد مناسبة وطنية عزيزة وغالية على كل إماراتي، ليس مجرد احتفال سنوي بروتوكولي، بل هو يوم فخر واعتزاز بتحقيق فكرة وحلم راود صانع وباني ومؤسس الاتحاد وإخوانه القادة المؤسسيين.
اتحاد الإمارات فكرة جرئية «في وقتها» راهن عليها الكثير من غير أبنائها بأنها فاشلة، ولن تستمر، ومصيرها الفشل، إلا أن الواقع اليوم يثبت فشل رهانهم، وقصر نظرهم، وعدم معرفتهم بفكر وعزيمة وإصرار ورؤية مؤسس الإمارات الشيخ زايد وإخوانه حكام الإمارات، وعدم قدرتهم على قراءة المستقبل واستشرافه بعلم ومنطق، ما نشاهده اليوم وأثبته الواقع أن اتحاد الإمارات غير شكل المنطقة، وسحق كلمة المستحيل بل حذفها من القاموس، حيث أثبتت دولة الإمارات للعالم أجمع أنه إذا اجتمعت الإرادة والرؤية والقيادة وصدق النية والإخلاص في العمل فلا يوجد مستحيل.
لم يكن إعلان اتحاد الإمارات مجرد تجمع «7» إمارات، بل هو إعلان عن مشروع تنموي سيغير شكل المنطقة ومسارها، بهذا الإعلان قالت دولة الإمارات إنها هي من سيصنع المستقبل.
لفهم التجربة الإماراتية علينا قراءتها قراءة علمية تحليلية، حيث يتضح لنا من خلالها أن الاتحاد لم يكن مجرد خطوة سياسية بل كان رؤية استراتيجية شاملة، تم من خلالها تعزيز قنوات التنسيق بين الإمارات، وتوحيد السياسات بينها، وتم تأسيس الجهات والمؤسسات الحكومية، وهذا هو ما مكنها من تحقيق مستويات متقدمة من الإدارة الحكومية وثبات مسارها، بالتالي هي شكلت إطاراً إدارياً حكومياً اتحادياً نموذجياً يتم من خلاله إدارة الدولة، نموذج متماسك يتميز بالاستدامة، والقدرة على التكيف مع المتغيرات والتطورات السياسية والاقتصادية والأمنية على المستوى الإقليمي والدولي.
نجاح النموذج الإماراتي لم يكن مصادفة، بل هناك العديد من عناصر النجاح، إلا أن عنصر القيادة بالنسبة لي هو العنصر المحوري والأهم، لأن القادة المؤسسين كانوا أصحاب رؤية واضحة، من خلالها عملوا على صياغة مسار تنموي للدولة، واعتمدوا استراتيجية قائمة على التخطيط بعيد المدى، وركزوا على القطاعات الحيوية، ومنذ اليوم الأول كان هدفهم بناء اقتصاد متنوع، لا يعتمد على مصدر واحد فقط، وبهذا الفكر والرؤية تمكنت دولة الإمارات من الاندماج في الأسواق العالمية حتى أصبحت مركزاً مالياً وتجارياً عالمياً مؤثراً.
من اللافت كذلك في التجربة الإماراتية أن القادة لم يراهنوا على الماضي بل كان رهانهم على المستقبل وصناعته، كانت رؤيتهم الواضحة تريد نموذجاً خاصاً بنا وبما يناسبنا، لذا ركزوا على الإنسان الإماراتي فاستثمروا فيه، لأنهم يعلمون أن بناء قدرات ومهارات الإنسان شرط أساسي لتحقيق التطور والتنمية وبناء الدولة، لذا قاموا بوضع وتطوير نظام تعليمي متطور ونظام صحي متقدم، وشجعوا على تبنى الابتكار، ودعموا البحث العلمي، وبهذا تكونت قاعدة بشرية مؤهلة، لديها المعرفة والقدرة والمهارة، جعلها جاهزة لقيادة الجهات الحكومية.
منذ ذلك اليوم والإنسان ما زال على رأس أولويات القيادة الإماراتية، فقد أصبحت دولة الإمارات هي البيئة الجاذبة للكفاءات البشرية من مختلف أرجاء العالم، وهي المكان الذي يثق به الناس، ويضمنوا أن تعبهم لن يضيع، وأن أحلامهم ستتحقق، وأن تميزهم سيكون موضع تقدير واهتمام، ولهذا فإن يوم الاتحاد هو أيضاً يوم احتفال بالإنسان الإماراتي، الذي حمل المشروع على كتفيه، وبالمقيم الذي شارك في بنائه.
لذا بالعودة إلى مظاهر احتفالات عيد الاتحاد نجد أن روح الاحتفال مختلفة عن أي احتفال آخر، فهي ليست احتفالات بقدر ما هي تعبير عن فخر واعتزاز بالدولة، التي قهرت المستحيل وأكرمت الإنسان، وسخرت كل الإمكانات والموارد والظروف له.
كونك متابعاً حين ترى الناس يحتفلون ويعبرون عن مشاعرهم وفرحهم تدرك أن هذا الاحتفال ليس مجرد مظهر من مظاهر الفرح، بل هو إحساس جماعي، جمع المواطن والمقيم باعتبارهم جزءاً من تجربة حية ناجحة ومستمرة في الحركة والتقدم.
ولهذا حين تحتفل دولة الإمارات بعيد اتحادها فهي تحتفل بحدث أكبر من كونه حدثاً تاريخياً، فهي تحتفل بمسيرة حضارية صنعت لنفسها مكاناً في مقدمة الأمم، وما هو قادم، كما تقول دولة الإمارات دائماً، أعظم مما مضى.

