: آخر تحديث

الإرادة القوية تقهر المستحيلات!

3
1
2

رشاد أبو داود

أمضى الطالب في جامعة كولومبيا ليلته في سهرة حتى منتصف الليل مع أصدقائه وصديقاته. في صباح اليوم التالي ذهب إلى الجامعة، وكانت المحاضرة في الرياضيات، لم يتمكن من الانتباه للمحاضر أكثر من بضع دقائق، غلبه النعاس فنام. لم يستيقظ على أصوات الطلبة وهم يخرجون في نهاية المحاضرة.

نظر إلى اللوح فوجد مسألتين حسابيتين، فظن أنهما الواجب. كتبهما في دفتره، حمل كتبه و.. نفسه، وعاد إلى البيت ليحل «الواجب»، فقد كان مجتهداً وذكياً، لكن تلك السهرة أفسدت عليه اليوم التالي. أمضى اليوم في حل إحدى المسألتين الصعبتين. ذهب إلى مكتبة الجامعة باحثاً في المراجع، وتمكن من حل إحداهما.

في اليوم التالي، ذهب إلى المحاضرة، انتبه جيداً للمحاضر، لكن ظل ينتابه شعور بالتقصير، لأنه لم يتمكن من حل كلا المسألتين.

انتهت المحاضرة، وهمّ المحاضر والطلبة بالخروج، لكنه استوقفهم، وقال للمحاضر بصوت مرتفع «سيدي، لم تسألنا عن حل الواجب». نظر إليه المحاضر، فيما تفاجأ زملاؤه، وقال له «أي واجب؟ أنا لم أعطكم واجباً أمس»، قال الطالب «المسألتان اللتان كانتا مكتوبتين على اللوح، لقد تمكنت من حل إحداهما في أربع ورقات، لقد أخذتا وقتاً طويلاً مني».

صرخ المحاضر مندهشاً «ماذا؟!.. حللت إحداهما؟ لم تكونا واجباً. هما مثال على المسائل المستعصية على الحل حتى يومنا هذا، ولم يتمكن أي عالم رياضيات في العالم أن يحلهما». تأكد المحاضر من صحة الحل، عانق الطالب، صفق له الطلبة.

تم تسجيل حل المسألة في جامعة كولومبيا باسم الطالب، ولم تزل الأوراق الأربع معروضة في الجامعة حتى اليوم.

لماذا أصر الطالب على حل المسألة؟

أولاً، لأنه كان نائماً في المحاضرة، ولم يسمع المحاضر وهو يقول «لم يستطع أحد أن يجد حلاً للمسألتين». وبذلك لم ينتبْهُ الشعور الخطير بالإحباط. أقنع نفسه بأنهما واجب، ويجب حلهما بعيداً عن معرفته بأهميتهما، وبعيداً عن الإحباط الذي يولد الطاقة السلبية، ويعطل قدرات الإنسان الذهنية والجسدية، وأحياناً يقود إلى اليأس المدمر.

عن اليأس يقول تي إس إليوت «الطريقة التي تنتهي بها الدنيا ليس بانفجار، بل بأنين». هنري ميلر يقول «أحتاج أن أكون وحدي، أتأمل خجلي ويأسي في عزلة. أحتاج إلى ضوء الشمس، حجارة الأرصفة دون رفاق، دون حديث، وجهاً لوجه مع نفسي، لا يرافقني سوى أنغام قلبي».

المهاتما غاندي قال «عندما أشعر باليأس، أتذكر أن طريق الحب والحق انتصر على مر التاريخ. كان هناك قتلة وطغاة، وقد يبدون لبعض الوقت أنهم لا يقهرون. لكنهم في النهاية يفشلون».

اليأس يعني فقدان الأمل الذي قد نفقده مؤقتاً، لكنه ليس الأمل اللانهائي، «فعندما يكون الظلام كافياً، يمكنك رؤية النجوم»، كما قال مارتن لوثر كينغ.

أو كما قال جبران خليل جبران «لا تتوقف عند بعض خيبات الأمل، فالوقت لا يتوقف عندما تتعطل الساعة. والشمس لا تشرق في منتصف الليل، لكن في قمة اليأس يولد الأمل».

اليأس يؤدي إلى الإحباط، ثم الاكتئاب، ثم.. الانتحار، وربما أبرز أسباب الهروب إلى الانتحار. وكم من المشاهير الذين أنهوا حياتهم بقتل أنفسهم بطرق مختلفة. ومنهم: آرنست همنغواي، روبن وليامز، مارلين مونرو، ألكسندر ماكوين، جوني لويس وغيرهم.

وثمة مشاهير وصل بهم اليأس إلى حد الإقدام على الانتحار، لكنهم نجوا، وبدأوا حياة جديدة، ومنهم أوبرا وينفري، مايكل جاكسون، فرانك سيناترا والت ديزني، هالي بيري وآخرون.

ترى، لو تسلل الإحباط إلى طالب كولومبيا، بقول المحاضر أن لا أحد تمكن من حل المسألتين، هل كان سيسجل أعظم إنجاز في عالم الرياضيات. ولو لم يكن مجتهداً مشبعاً بالإرادة، هل كان سيتعب كل ذلك التعب لحل المسألة المعجزة؟!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد