وقفنا، كالعادة، مع قرارات حكومتنا، من منطلق إيماننا بأن ما حدث في السنوات الأخيرة، أو بالأحرى منذ التحرير، وبتحديد أكثر، في السنوات الـ15 الماضية، من تساهل مخيف ومريب في طريقة الحصول على جنسية الدولة، بأي من موادها، أمر لم يكن يجب أن يحدث ولا أن يستمر، لذا جاءت القرارات تلبية لرغبة سامية من جهة، وتجاوباً مع ما كان يدور من لغط عن قصص وحالات تجنيس غريبة، وحتى مرعبة، وغالباً مخجلة، لكل أطرافها. ولم يكن ممكناً، لظروف عدة، سبق أن تطرقنا لبعضها، اللجوء للطرق التقليدية في كشفها، أو تركها للزمن، أو مراجعة كل ملف على حدة! فمن سيقوم بذلك؟ وما درجة معرفته أو حياديته؟ ومن يضمن أن قراراتها ستكون عادلة وسريعة؟ لذا كان من المهم طمأنة القلوب القلقة، ووقف سيل التساؤلات، واللجوء لأكثر القرارات إيلاماً وصعوبة، وسحب كل الجنسيات من هذه الفئة، ومن ثم النظر في ملف من يعتقد أو تعتقد أنها تعرضت لظلم أو تعسُّف غير مبرر.
قد لا يتفق البعض مع هذا التبرير، وهو ليس كذلك، بل هو الواقع، ولكن أياً كان الأمر فقد أصبح تاريخاً، ويجب ألا نجلس وننتحب على ما سكب من حليب على الرمل. فالتقديرات تشير إلى أن من سحبت جنسيتهن، من الزوجات، قد قارب الـ30 ألفاً، وهذا يعني تأثر ما لا يقل عن 10% من مواطني الدولة مباشرة بذلك القرار، كزوج وأبناء وأحفاد، وأقارب.
لسنا في معرض انتقاد قرارات الحكومة، طالما أن الهدف منها، كان ولا يزال المصلحة العامة، ووقف التشويه الذي طال الهوية الوطنية، وشبه استحالة البحث المسبق فيها، لما ذكرنا من أسباب، من دون أن نبخس حق من نالوها بجدارة وخلقوا أسراً رائعة يُفتخر بها، ولكن آن أوان سماع صوت «لجنة النظر في التظلمات». فلا أحد تقريباً يعرف آلية عملها، ولا مدى أهمية وقانونية وقوة قراراتها، ومتى ستبدأ عملها، لغياب من يتحدث باسمها ويهدّئ من قلق كل المعنيين بالأمر، فالعدل يتطلب ألا يظلم فرد بجريرة أخطاء غيره.
إن إعادة تشكيل الهوية الوطنية، وجعلها أكثر مصداقية وقرباً للحقيقة، يتطلبان سرعة تحرك اللجنة، وأن تكون أكثر شفافية في عملها، فهناك مئات الآلاف بانتظار ما ستسفر عنه اجتماعاتها، التي نتمنى أنها مستمرة منذ أن صدر قرار تشكيلها قبل بضعة أشهر.
فبلد الحرية والإنسانية بحاجة إلى دعم صيته وسمعته عالمياً بصدور قرارات نهائية وحاسمة عن هذه اللجنة، فترك الأمر كما هو مقلق للجميع، سواء من سُحبت الجنسية منهن، أو من أهاليهن، أو من غيرهن من المهتمين بالشأن العام، علماً بأن التعامل الرسمي مع هذه الفئة بالذات كان قريباً من المثالية، حتى الآن، ونرجو أن يستمر ذلك من خلال الإسراع في عمل لجنة التظلمات، وزيادة أعضائها، فليس هناك أشد إيلاماً على النفس العزيزة من انتظار استعادة حقوقها.
وفي الختام، يمكن، من خلال الاستعانة، بالذكاء الاصطناعي، الخروج بنتائج مهمة وخطيرة، وتقليص فترة الانتظار بشكل جذري، لفعالية هذه الطريقة في سرعة تحليل البيانات، ومعالجة كميات ضخمة من طلبات الجنسية بسرعة ودقة، واكتشاف الأنماط غير العادلة أو التمييزية في منح أو سحب الجنسية، وكشف أي تحيّز محتمل في القرارات، سواء كان قائمًا على الجنس أو الأصل أو غيرهما من المعايير، من خلال مراجعة تاريخية للقرارات السابقة وتحليلها إحصائيًا، ومراجعة المستندات القانونية للوثائق بسرعة فائقة، والتأكد من استيفاء جميع الشروط القانونية من دون تدخّل بشري قد يتأثر بتحيّز طرف ما.
أحمد الصراف