منذ أن تقدّمت المملكة بمبادرتها العربية للسلام عام 2002، والتي نادت بإقامة سلام عادل ودائم ينهي الصراع العربي الإسرائيلي على أساس الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة والاعتراف المتبادل، كانت الرياض تؤكد في كل محطة سياسية أنها دولة سلام، تؤمن بأن الاستقرار لا يتحقق إلا من خلال تسوية عادلة تنصف الشعب الفلسطيني وتُعيد التوازن للمنطقة.
وقد تميّزت المبادرة السعودية بالشمول والوضوح، إذ وضعت أسساً عملية لحل سياسي ينهي عقوداً من المعاناة، ويحمي حقوق الفلسطينيين المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، في مقابل سلام شامل وتطبيع كامل مع إسرائيل من قبل الدول العربية.
وفي استمرار لهذا النهج، برزت مبادرة المملكة مؤخراً بتأسيس التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، وهي مبادرة تمثل تطوراً نوعياً في المساعي الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء هذا النزاع المزمن، وقد جاءت هذه الخطوة بالتعاون مع فرنسا، هذا التحالف ليس مجرد إطار سياسي، بل منصة عملية تهدف إلى حشد الإرادة الدولية وتوحيد الجهود لدفع حل الدولتين إلى حيز التنفيذ، بعد سنوات من الجمود والتعطيل.
ولا شك أن مبادرة المملكة بتأسيس التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين ساهمت في إعادة الاعتبار للشرعية الدولية وقراراتها، كما أعادت الأمل للشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي بأن الحل السياسي لا يزال ممكناً، متى ما توفرت الإرادة السياسية والدعم الدولي الصادق.
وما يدعو للتفاؤل أن القضية الفلسطينية حاضرة في ضمير المجتمع الدولي، حيث باتت غالبية الدول تعي أن تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني أو تأجيل الحل سيؤدي إلى مزيد من الأزمات التي تتجاوز حدود المنطقة. ومن هنا، فإن المؤتمر الدولي الذي ترعاه المملكة بالشراكة مع فرنسا يُمثّل فرصة نادرة لإنهاء هذا الصراع، وتحويل الجهود السياسية من الوعود والتمنيات إلى الأفعال.
المملكة انطلاقاً من دورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي، تؤكد أن السلام ليس خياراً هامشياً، بل ضرورة استراتيجية لبناء مستقبل تنعم فيه الأجيال بالأمن، وتُحقق فيه الشعوب التنمية والازدهار. فالرياض لا تُراهن على المؤتمرات كأهداف بحد ذاتها، بل تسعى من خلالها إلى بناء توافقات دولية حقيقية تُفضي إلى الاعتراف بدولة فلسطين ووقف معاناة شعبها المستمرة.
مرة بعد أخرى تثبت المملكة أنها صوت العقل والاعتدال في المنطقة، وأنها تمتلك الرؤية والإرادة لقيادة مسار سلام عادل وشامل، لا يُنهي الصراع فحسب، بل يُؤسس لمرحلة جديدة من البناء والتعايش الإقليمي.