: آخر تحديث

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

3
3
3

تشير العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية هذا الأسبوع على شبكة تجنيد المرتزقة الكولومبيين الذين يقاتلون إلى جانب «قوات الدعم السريع»، إلى خطوة في الطريق الصحيح لمعالجة واحدة من أكثر ظواهر الحرب تعقيداً وخطورة. فهي تستهدف جانباً أساسياً من أسباب إطالة أمد الحرب، وتفاقم معاناة المدنيين، وهو الجانب المتعلق بدور المال والسلاح والمقاتلين القادمين من الخارج.

شمل القرار الأميركي أربعة أفراد رئيسيين وأربعة كيانات في الشبكة الكولومبية، لكن دلالاته أبعد من ذلك بكثير. ذلك أنه يتعامل بشكل مباشر مع البعد الخارجي الذي لعب ولا يزال يلعب دوراً محورياً في استمرار الحرب عبر الدعم المالي والعسكري الذي ازداد بوضوح بعد إخراج «قوات الدعم السريع» من مناطق الجزيرة والخرطوم، حين بدا وقتها أن هذه القوات تواجه احتمال هزيمة كبيرة، وأن الكفة بدأت تميل لصالح الجيش والقوات المساندة له.

وركّز البيان الأميركي على دور المرتزقة الكولومبيين في عمليات التدريب، بما في ذلك تدريب أطفال، وفي تشغيل المسيرات، وصولاً إلى المشاركة المباشرة في القتال في الفاشر. كما تحدث عن «وحشية» «الدعم السريع» واستهداف المدنيين بشكل منهجي، بمن فيهم الأطفال، والاعتداء على النساء والفتيات بالاغتصاب. واختتم بالرسالة الأهم، وهي مطالبة «الأطراف الخارجية بوقف الدعم المالي والعسكري»، الذي يعدّ العصب الأساسي لاستمرار الحرب.

هذا التحرك الأميركي ربما يكون بداية خطوات أخرى لما وصفه البيان الأميركي بتعطيل مصدر مهم للدعم الخارجي، الذي تتلقاه «قوات الدعم السريع»، وتقويض قدراتها على استخدام المرتزقة في عملياتها. وكان وزير الخارجية الأميركي قد أشار في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى أن الولايات المتحدة «تعرف الأطراف التي تدعم» «قوات الدعم السريع»، والدول التي تسمح باستخدام أراضيها لشحن ونقل إمدادات السلاح.

الواضح أن الإدارة الأميركية بدأت تتحرك بشكل مختلف وجدية أكبر في أعقاب زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ودعوته الرئيس الأميركي دونالد ترمب للاهتمام بشكل مباشر بحرب السودان. فبعد خطوة العقوبات، أجرى وزير الخارجية الأميركي اتصالين منفصلين مع وزيري الخارجية السعودي والمصري لبحث الملف، في إشارة إلى مساعٍ لتحريك الجمود فيه، ودور أكبر يضطلع به ماركو روبيو بالتنسيق مع البيت الأبيض.

التورط الخارجي، سواء عبر المال والسلاح، أو عبر المرتزقة، مفتاح أساسي في أي جهد لإنهاء الحرب في السودان. وإذا كان الدور الخارجي واضحاً لكثيرين منذ الرصاصة الأولى، وربما قبلها، فإن توسعه الأكبر والأخطر كان بعد إخراج «الدعم السريع» من الجزيرة ومن الخرطوم، حيث فقدت كثيراً من قوتها الصلبة، وتراجع وجودها لينحصر في دارفور وأجزاء من كردفان، وبدا أن الكفة تميل لصالح الجيش.

السلاح الآتي من الخارج ظهر في مراحل مختلفة من الحرب عبر العربات المصفحة، والصواريخ، والذخائر المتطورة، في بدايات الحرب، ثم تطور إلى المسيرات لاحقاً، وتوسع أخيراً من خلال الاستخدام المكثف للمسيرات الاستراتيجية، وأجهزة التشويش المتطورة. هذه الأسلحة وسّعت من دائرة الحرب ومن آثارها التخريبية التي امتدت إلى مرافق الخدمات الأساسية، مثل محطات المياه والكهرباء لتعطيل عودة الحياة الطبيعية، والضغط على المواطنين.

أما بالنسبة إلى المرتزقة فإن «قوات الدعم السريع» استعانت بهم مبكراً، حتى قبل الحرب، عبر تجنيد وتجنيس مجموعات من «عرب الشتات» من تشاد وأفريقيا الوسطى والنيجر ومالي. وبعد اندلاع الحرب جاءت أعداد كبيرة أخرى لتلحق بـ«الدعم السريع» ضمن مفهوم «الفزعة»، مدفوعة بإغراء المال ونهب المنشآت العامة والبنوك وممتلكات المواطنين في مختلف المناطق التي دخلوها. لكن بعد خسارتها مناطق الوسط والخرطوم، ودفعهم نحو دارفور ومناطق من كردفان، تراجع إغراء عائد النهب، وبات الاعتماد يزيد على الدعم المالي القادم من الخارج لتجنيد المرتزقة.

من هنا، فإن الخطوة الأميركية في فرض عقوبات على شبكة المرتزقة الكولومبيين تمثل رسالة مهمة في استهداف مصادر التأجيج، لكنها تبقى مجرد خطوة أولى لا بد أن تتبعها خطوات أخرى، لوقف إمدادات السلاح بشكل مباشر، وكذلك الضغط على الدول التي تسمح باستخدام أراضيها لشحن ونقل إمدادات السلاح.

فمن دون تجفيف المنابع لن تنجح أي محاولات لإنهاء الحرب، بل سنراها تتعقد وتتوسع بكل التداعيات التي يمكن أن تؤثر على المنطقة، ولا سيما إذا فكرت بعض الأطراف في الدفع نحو سيناريو شبيه بالنموذج الليبي في السودان، وهو ما يجب تجنبه بأي ثمن، لأن عواقبه ستكون فادحة في بلد بحجم السودان وتعقيداته، ولأن التداعيات لن تتوقف عند حدوده.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد