: آخر تحديث

الغلبة للإبداع النكدي

10
8
7

ما السبب في أن الأعمال التراجيدية، في المسرح والرواية والسينما، تشكل عشرات ألوف أضعاف الأعمال الكوميدية؟ ألأن الضرّاء في الحياة، وحياة المبدعين، غالبة على السرّاء؟ أم لأن الإبداع بطبعه إلى الغم والهمّ أميل؟ بصرف النظر عن أوجه التحليل والاستدلال، فإن الآداب والفنون الكلاسيكية والمعاصرة والحديثة، هكذا هي، المأساة وأتراحها وآلامها وشجونها هي القاعدة، والمسلاة وأفراحها ومسعداتها وشارحاتُها الصدورَ ومجلياتها الأحزانَ، هي الاستثناء والقلة النادرة.همس القلم: وما يدريك لعلّه قانون فيزيائي خفيّ؟ ألا ترى أن الأنظمة السياسية على ظهر الكوكب، أغلبيّتها تُشقي شعوبها، قمعاً واستبداداً، وسوءَ عدالة وتقتيراً في الاقتصاد، وتضييقاً على الحريات، وأن تلك التي تُسعد شعوبها هي القلّة القليلة؟ قلت: ها أنت لم تشذّ عن القاعدة، كنّا نتجاذب «أطرف» الحديث، فإذا بك تنزلق إلى حوادث الحادثات. هل أجَلْتَ ذهنك في الدوافع النفسية التي تجعل الروائيين ومؤلفي المسرحيات وكُتّاب القصة والسيناريو، في كل القارات، يقضون حياتهم مسخِّرين طاقاتهم الإبداعية، لإغراق نفوس الإنسانية بالفجائع والفظائع، وكل ما يُجري أنهار المدامع؟هذا الجانب من الآداب والفنون، منذ فجر الإبداع في جميع الأصقاع، فيه ألف صندوق باندورا. تخيّل مثلاً جهنّم الأخلاقية، التي توقد ضرامها مسرحية مثل «أوديب الملك»، التي كتبها اليوناني سوفوكليس قبل أربعة قرون من الميلاد، ولكنها ظلت إلى زماننا من أبرز ألوان التراجيديا اليونانية. بالمناسبة: التراجيديا مشتقة في اليونانية من «تراغوس» أي التيس. من الغريب أن علم النفس، الذي تُفترض فيه منهجية البحث العلمي وعقلانيته، جال فيه أهل الاختصاص وصالوا، وعلى رأسهم سيغموند فرويد، في تحليل مسرحية من إبداع الخيال، والأغرب هو أن يسعوا إلى تطبيق النتائج على الواقع البشري. أمّا الروائع الروائية التي تكون الوغى محورها، مثل «الحرب والسلام» للروسي ليو تولستوي، فحصاد الرؤوس أيسر من حصاد السنابل. قس على ذلك خيال أفلام الحروب. لعلك لا تجد ما تقول عن أعمال الرعب في السينما، وعنف أخشن «الأكشن»، وماذا عن مجازر القتل الافتراضي في الألعاب الحاسوبية؟ كم عدد الروايات البوليسية، التي لا يمكن أن تكون كلها جرائم حدثت في الحقيقة؟ الطريف، أن الفنون القصصية الرومانسية، والفن السابع العاطفي، والفنون المسرحية المماثلة، هي أيضاً جداول عبرات، ومعاناة نفسية وروحية قاسية. والأطرف أن الناس منذ القديم، يجدون كل إمتاع ومؤانسة، حين يتحمّمون بدموعهم.لزوم ما يلزم: النتيجة الغرائبية: في العقد الثامن الماضي، دار حديث ثقافي بين الأديب الراحل حسيب كيالي والقلم، قال فيه الكاتب الشاعر السوري: «في رأس كل روائي مجرم».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد