تغيّر الزمن وأصبحت جهات عدة في الحكومة تقرأ وتقوم بتنفيذ الممكن والصالح من المقترحات، لكن لوحظ في الفترة الأخيرة تسابق وزارات عدة على من تكون الأسرع والأكثر ضرباً على جيب المواطن، وتكون النتيجة جمع الفتات الذي لا يمكن أن يشكل شيئاً أمام الهدر الكبير في أبواب خطيرة.
سبق أن كتبت أن الخطورة لا تكمن في فرض الضرائب ورفع أسعار الخدمات، بل في عدم رفع مستوى ما يقدم من خدمات مقابلها، من صحة وتعليم وطرق ومياه وكهرباء، مع استمرار كل ذلك الهدر الضخم في قطاعات كثيرة.
فأسعار بيع وقود المركبات لا تزال متدنيةً جداً، حتى مقارنة بدول الخليج، نتيجة الدعم الضخم المقدم للمستهلك. أما في قطاع الكهرباء، فإن الدولة، كما ورد على لسان مسؤول في الوزارة، قدمت خلال 2024 دعماً قدره 3 مليارات دينار (أو 10 مليارات دولار)، وهو دعم يمكن تخفيضه للنصف بسهولة، من خلال تعديل أسعار بيع الكهرباء للمستهلك، وجعلها بنظام الشرائح، وإعفاء أصحاب الدخل المحدود، وبعض الصناعات والأنشطة الأخرى الضرورية من الزيادة، والتحكّم في التسيب «التاريخي» في ميزانية الوزارة، سواء من ناحية عدد الموظفين، وعقود الصيانة وتجديد المحطات، وكارثة وضع الأقل كفاءة، وبالواسطة، في أكثر المناصب تقنية وتطلباً للخبرة والمصداقية، وسبق أن عانيت الكثير من خراب الوزارة، على مدى عقود، ولا أنسى مبلغ الـ400 مليون دينار، التي صرفتها الحكومة، قبل 12 عاماً تقريباً، لمواجهة الانقطاع المتكرر للتيار، فلهفتها مجموعة من الشركات، التي قامت بتوريد محطات توليد كهرباء مؤقتة، تبيّن أنها قديمة وخربة وانفجرت واحترقت جميعها تالياً، واحترقت معها قلوب المخلصين على المال المسروق علناً. وبالأمس خصصت الحكومة 5 مليارات دينار (16.27 مليار دولار) لتوسعة المحطات الكهربائية وزيادة الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، ولولا ثقتي بكفاءة ونزاهة الوزير صبيح المخيزيم، لبكيت أيضاً على هذا المبلغ. أما دعم المياه فحدّث ولا حرج، فهي تباع بمبالغ رمزية، حتى لأكثر المواطنين ثراءً، والشيء ذاته ينطبق على الدعم المقدم لمواد غذائية غير أساسية، وللأدوية والطبابة، بخلاف دعم مواد البناء المختلفة.
لا أقصد بهذا كله الإضرار بصاحب الدخل المتدني، فحمايته تكون بتطبيق نظام شرائح الاستهلاك، وتطبيقه سوف يضمن للدولة توفير المليارات، وستكون حافزاً لرفع مستوى الوعي لدى الجميع.
أحمد الصراف