سلطان حميد الجسمي
في عالم تتصارع فيه النظم، وتتهاوى فيه الثوابت، يصبح الأمن أكثر من مجرد حالة سياسية أو شرط اقتصادي، بل يتحول إلى مقياس حضاري لنجاة الشعوب واستمرار الدول. وعندما يلتقي الاضطراب بالركود، والفوضى باليقين الزائف، تولد لحظة قاتمة تنهار فيها منظومات العدالة، وتتفشى الجريمة كالوباء، ويتسلل الفساد إلى نسيج المجتمعات، فتموت النهضات، وتتراجع الأمم بعدما كانت في طليعة المجد والتقدم. هناك، في زاوية الغفلة عن الأمن، تهدر إنجازات العقود في سنوات، وتهدم الدول من داخلها، لا بسلاح خارجي، بل بغياب الطمأنينة، وتراخي هيبة القانون. أما حين يُحفظ الأمن، ويُبنى على قيم العدالة واليقظة والمسؤولية فتولد الدول التي لا يختنق فيها الحلم، ولا يُسرق فيها الأمل. وفي خضم هذا المشهد العالمي القاتم، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كحالة متفردة، لا تناقض فيها بين اليقين والحزم، ولا ثغرة فيها لفراغ أمني أو اختلال. بل تتجلى كمنظومة متكاملة، ترى أن الأمان ليس غياباً للجريمة فقط، بل حضور عميق للنظام، والاستقرار، والثقة التي تسكن قلوب الناس قبل أن تُكتب في التقارير. أولت القيادة الرشيدة في دولة الإمارات منظومة الأمن والأمان أولوية قصوى، وجعلتها في صدارة أجنداتها الوطنية، انطلاقاً من إيمان راسخ بأن الأمن هو الأساس الذي تُبنى عليه نهضة الشعوب واستقرار الأوطان. وقد قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله: «الأمن هو الركن الأساسي في تأسيس المجتمعات والدول المستقرة عبر التاريخ». وكان هذا النهج امتداداً لما رسّخه المغفور له بإذن الله الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي جعل من الأمان جوهراً لرؤيته التنموية في بناء دولة الإمارات الحبيبة، وأساساً لانطلاق مشروع الاتحاد، إيماناً منه بأنه لا تنمية بلا أمن، ولا وحدة بلا استقرار، ولا مستقبل من دون أمن راسخ في بناء دولتنا الحبيبة. ولهذا، لم يكن تصدُّر الإمارات المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر الأمان لعام 2025 محض مصادفة، بل هو ثمرة عقود من العمل المتقن، والتخطيط الواعي، والإيمان بأن كرامة الإنسان تبدأ حين يشعر بالأمان، وأن نهضة الدول لا تُبنى فوق ركام الخوف. احتلت الإمارات المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر الأمان بنتيجة (85.2)، متقدمة على دول مرموقة مثل أندورا، وسويسرا، وسنغافورة، وتايوان، وقطر. وهذا المؤشر لم يُبنَ على رأي جهة واحدة، بل يستند إلى بيانات واقعية من السكان أنفسهم، تشمل مدى الشعور بالأمان ليلاً ونهاراً، وثقة المجتمع في جهاز الشرطة، وانخفاض معدل الجريمة، وغياب مظاهر العنف المسلح أو العشوائي. وفي تقرير «غالوب» العالمي أيضاً، جاءت الإمارات ضمن أكث```ر الدول التي يشعر سكانها بالأمان عند المشي ليلاً، حيث تجاوزت النسبة 90%، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم. هذه ليست إحصاءات جافة، بل انعكاس مباشر لحياة يومية يعيشها كل من يقيم على أرض الإمارات. لا يخشى الناس التجول ليلاً، ولا يشعر الآباء بالقلق على أطفالهم، ولا تخشى المرأة السير بمفردها، ولا يعيش المستثمر في قلق على أمواله أو أعماله. وراء هذه المكانة المرموقة تقف منظومة أمنية فريدة، تجمع بين احترافية عالية في العمل الشرطي، واستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والمراقبة، ومنظومة عدالة دقيقة وسريعة، وقوانين رادعة ولكن عادلة، ومجتمع يشارك في الحفاظ على أمنه بثقافته وقيمه. ليس عبثاً أن ترى مراكز الشرطة الذكية في الإمارات تُكرَّم عالمياً، وأن تُدرَّس أنظمتها الأمنية في مؤتمرات دولية، وأن تختارها منظمات دولية شريكة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. في الإمارات، لا يحتاج المرء إلى الشعور بالخوف من المستقبل. الأمان هنا لا يُحتفل به فقط بالأرقام، بل يُعاش في التفاصيل: في الطفل الذي يلعب بحرية في الحدائق، في العائلة التي تسهر على شاطئ آمن، في المستثمر الذي ينام مطمئناً، في السائح الذي لا يحتاج إلى «تحذيرات أمنية» قبل زيارته. ولذلك، لم يكن غريباً أن تتصدر مدينة أبوظبي قائمة المدن الأكثر أماناً في العالم لسنوات متتالية، وأن تُصنَّف الشارقة ودبي ضمن المدن الأعلى أماناً كذلك. إن تصدّر الإمارات مؤشر الأمان ليس نجاحاً لحظياً، بل هو تأكيد أن الدول العظيمة تُبنى على الأمن قبل الأبراج، وعلى الثقة قبل التكنولوجيا، وعلى سلامة الإنسان قبل كل شيء. وفي خضم عالم مضطرب، أصبحت الإمارات وجهة للباحثين عن الاستقرار، ومثالاً عالمياً يُدرَّس. وهنا تظهر الفِطنة في القيادة: حين جعلت الأمان إرثاً لا مجرد إنجاز.. لا يُهدى، بل يُبنى.