: آخر تحديث

المُساوِم ليس المُستسلم

1
2
2

ضمن سياق ذي صلة بمضمون مقالتي المنشورة في «الشرق الأوسط» الأربعاء الماضي، فوجئت بسؤال من أحد شبان عائلتي: هل تتفق مع مساومة المبادئ أحياناً؟ تسرعتُ مجيباً بالإيجاب، لكنني تِلقائياً تراجعتُ فوراً، فأضفتُ أن قبول أو رفض المساومة يتوقف على شروط عدة، فما المقصود بالضبط؟ ولأن الشاب الغزاوي، المتفوق النجاح في عمله مع إحدى الشركات العالمية الكبرى في مجال الاتصالات يجيد الإنجليزية، واعتاد على التخاطب بها، فقد لجأ إليها، مكرراً السؤال على النحو التالي: ?Will You Compromise Your Ethics to Move From A To B

مجدداً، قلت لسائلي، وقد أحسست بنبرة التحدي في صوته، إن المُتعارَف عليه، في مختلف ثقافات شعوب العالم، هو رفض المساومة التي تتطلب التنازل عن استقامة الأخلاق، بقصد تحقيق أهداف شخصية، وهناك مَنْ يطبق المبدأ ذاته عند التعامل مع الشأن العام أيضاً. مع ذلك، ثمة من يحاجج بمبدأ نيكولو مِكيافيلي، المفكر السياسي، والفيلسوف الإيطالي، القائل إن «الغاية تبرر الوسيلة»، من منطلق أن منهج الواقعية في العمل السياسي، يفرض في بعض المراحل وضع هذا المبدأ موضع التطبيق، وتحمل النتائج التي قد تترتب على ذلك، حتى لو أن السلبي منها قد يفوق الإيجابي.

بعد انتهاء حديثي ذاك، وجدتني أتساءل؛ حسناً، إذا حصل حد أدنى من التوافق على ما سبق، فالأرجح أن يُطرح التساؤل التالي: مَنْ يحدد السلبي؟ ومَن يقرر الإيجابي؟ إزاء هذا الوضع، يجب الاحتكام إلى المواثيق التي تحدد مصالح القوم المعنيين بقبول، أو رفض، مبدأ المساومة. وفي هذا السياق، فإن الأمر شديد الوضوح فيما يتعلق براهن الواقع الفلسطيني، والأفق المحتمل حين التأمل في المستقبل المُتَوَقع للمسألة الفلسطينية ككل. معروف للجميع أن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية مقبول من أغلب الفلسطينيين، داخل فلسطين وفي الشتات. ولقد جرى تعديل الميثاق بحذف البند الرافض لوجود دولة إسرائيل، وكان الغرض ساطع الوضوح أيضاً، وهو سد الذرائع أمام مراوغات الجانب الإسرائيلي، وفتح الطريق أمام التوصل إلى تسوية سياسية.

الآن، عندما تُطالَب قيادة حركة «حماس» بالتحول إلى حزب سياسي منزوع السلاح، فإن تعاملها مع هذا المطلب، بالرفض أو القبول، يُفترَض أن يحتكم إلى مصلحة عموم الفلسطينيين، سواء في قطاع غزة أولاً، أو في فلسطين ككل، ثانياً، وفي الشتات ثالثاً. بالطبع، سوف يزعق بعض المزايدين، انسجاماً مع ولاءاتهم غير الفلسطينية، أن القبول بنزع السلاح، وتسليمه إلى سُلطة الحكم الفلسطيني المُعترف بها دولياً، يعني الاستسلام. لكن الفرق واضح بين مُساوِم يضع مصلحة المجتمع قبل مصالح التنظيم، ومستسلم يقبل بشروط الخصم كلها حتى لو تضمنت التفريط بأساس مُتفق عليه من أغلب الناس؛ وهو هنا قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.

يبقى القول إن نزع السلاح ينبغي ألا ينحصر في حركة «حماس» وحدها؛ بل يجب أن يشمل التنظيمات الفلسطينية كافةً، وفي مقدمتها حركة «فتح». ضمن هذا الإطار، يمكن القول إن نزع سلاح الفصائل هو «وسيلة» تبررها «غاية» مقصدها مصلحة الفلسطينيين ككل، فأين الضرر، أو الاستسلام، إذنْ؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد