خيرالله خيرالله
إذا كان من دليل على خطورة سلاح «حزب الله»، جاءت العراضة المسلّحة للحزب في زقاق البلاط، على كتف السراي الحكومي حيث يقيم رئيس مجلس الوزراء لتؤكد هذه الخطورة. أتت العراضة البيروتية للحزب في توقيت مريب. أتت قبيل زيارة المبعوث الأميركي توم براك، فيما المفتي عبداللطيف دريان، في زيارة هي الأولى من نوعها لدمشق. تعكس الزيارة تغييراً ذا طابع تاريخي على الصعيد الإقليمي في ضوء سقوط النظام العلوي في سوريا.
يشير إلى مدى عمق هذا التغيير لقاء مفتي الجمهورية اللبنانية مع الرئيس أحمد الشرع. يأخذ مثل هذا الحدث بعداً إقليمياً، خصوصاً إذا استعدنا حقد النظام العلوي الذي انهار أواخر 2024 على سنّة لبنان وقبل ذلك على سنّة سوريا. هذا النظام العلوي اغتال المفتي حسن خالد، وغطّى عملية اغتيال رفيق الحريري واغتال آخرين مثل الشيخ صبحي الصالح. اغتال معنوياً صائب سلام وتقي الدين الصلح، وتآمر على بيروت. استخدم حافظ الأسد، جيش التحرير الفلسطيني لتكريس وجود خط تماس بين المسيحيين والمسلمين في بيروت. فعل الأسد الأب كلّ ما يستطيع من أجل تدجين طرابلس وتأكيد سيطرة العلويين عليها.
جعل سلاح «حزب الله»، الذي عاود ظهوره في بيروت، لبنان يفاوض من دون أن يفاوض، بل يفاوض من موقع ضعف. لا يعوض عن الضعف سوى الصراحة في التعاطي مع الواقع بدل الهرب منه. ما لابدّ من تذكّره أنّه لولا خسارة «الجمهوريّة الإسلاميّة» لحروبها في المنطقة، بما في ذلك الحرب التي أخذت لبنان إليها، لما كان جوزف عون انتُخب رئيساً للجمهورية. لم يأت انتخاب جوزف عون رئيساً من عبث، بل كان تعبيراً عن التغيير الكبير الذي حرّر لبنان من التبعية لإيران ومن سيطرة «حزب الله» على البلد.
سبق لبراك، أن كرّر في بيروت ما قاله المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، قبل سنوات طويلة. كرّر قول لودريان للبنانيين: «ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم». لم يعد لبنان يعيش في ظلّ عهد «حزب الله» الذي كان يسيطر على كلّ البلد. حين كان لبنان دويلة في دولة الحزب.
تبيّن في ضوء تجارب الماضي القريب أنّ لا تطابق في الأهداف بين لبنان وإيران. لا وجود لأي تطابق من أي نوع في ما يتعلّق بأهداف كلّ من البلدين. لدى إيران مصلحتها وأجندتها التي لا علاقة لها بأي شكل بالمصلحة اللبنانيّة. تقضي مصلحة إيران بعقد صفقة مع «الشيطان الأكبر» الأميركي تنقذ النظام القائم، بغض النظر عمّا يحلّ بلبنان حيث صار التمسّك بالسلاح تمسّكاً بالاحتلال الإسرائيلي.
بالنسبة إلى «حزب الله»، تتقدّم مصلحة إيران على مصلحة لبنان. لذلك من العبث البحث عن موقف يتخذه الحزب ويصبّ في مصلحة لبنان الذي يهمّه قبل أي شيء الانتهاء من الاحتلال الإسرائيلي والانصراف إلى ترسيم الحدود نهائياً مع الدولة العبرية والبحث في كيفية إيجاد تفاهمات مع النظام الجديد في سوريا الذي هو نظام قيد التكوين.
خلاصة الأمر أنّ لا مجال أمام لبنان لممارسة لعبة التذاكي. يوجد واقع جرّته إليه إيران التي افتعلت حرب «إسناد غزّة» معتقدة أنّ فتح جبهة جنوب لبنان نزهة وأنّ في استطاعتها الاستفادة من هذه الحرب في سياق اللعبة التي تمارسها منذ سنوات طويلة مع الإدارات الأميركية المتلاحقة. تقوم هذه اللعبة على تأكيد إيران أنّها مفتاح السلم والحرب في المنطقة في ضوء سيطرتها على أربع عواصم عربيّة هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. دفع لبنان ثمن حرب كانت رهاناً إيرانياً قبل أي شيء. المؤسف أنّه بات على لبنان دفع ثمن خسارة إيران لحرب «إسناد غزّة». هل لديه الجرأة التي يحتاج إليها عبر الاعتراف بأنّّه تعرّض لخسارة حرب إيرانية كانت أرضه مسرحا لها؟
يُفترض في الدولة اللبنانية، ممثلة بالرؤساء الثلاثة جوزف عون ونبيه بري ونوّاف سلام، إدراك أن «الجمهوريّة الإسلاميّة» خسرت كل الحروب التي شنتها على هامش حرب غزّة وهجوم «طوفان الأقصى» التي وقفت خلفه «حماس». فوق ذلك كلّه خسرت إيران سوريا التي حولها النظام العلوي إلى مجرّد تابع له وإلى جسر لمدّ «حزب الله» بالسلاح.
خسر لبنان الحرب الإيرانيّة وعليه دفع الثمن. ليس لبنان الذي يحتل نهارياً ويفاوض إسرائيل من موقع قوّة. إسرائيل من تحتل أراض لبنانيّة وعلى لبنان العمل على إخراجها من المواقع التي يشغلها جيشها. أكثر من ذلك، الموضوع ليس موضوع سلاح «حزب الله».
تبدو الحاجة أكثر من أي وقت إلى موقف لبناني متماسك، بل إلى تواطؤ بين الرؤساء الثلاثة، تمهيداً للإجابة عن السؤال الحقيقي: هل يريد لبنان التخلّص من الاحتلال الإسرائيلي أم لا؟ يتطلب ذلك الاعتراف بالهزيمة أولاً وبأن المنطقة تغيّرت ثانياً وأخيراً.