تتبع دول العالم سياسات متفاوتة في ما يتعلق بمنح جنسيتها للأجنبي، فالغالبية لا موانع لديها، والغربية منها ترحب، لحاجتها للأيدي العاملة والخبرات، سواء لتعمير البلاد والعمل بها ودفع الضرائب، وحققت دول مثل أمريكا وكندا واستراليا معدلات نمو عالية بفضل جهود هؤلاء المهاجرين، وكان لافتا قيام مستشارة المانيا، قبل سنوات قليلة، بمنح الإقامة الدائمة أو الجنسية الألمانية لأكثر من مليون سوري!
تُعتبر الصين من الدول التي نادرًا ما تمنح الجنسية للأجانب، لرغبتها في الحفاظ على الهوية الوطنية. كما تتبع اليابان نفس السياسات، وتطالب الراغب فيها بإثبات اندماجه الكامل في المجتمع الياباني، وإجادة اللغة ومعرفة الثقافة، وهذه عملية طويلة وصعبة جدا. كما تُعتبر ليختنشتاين في أوروبا (40 ألف نسمة) من الدول الصعبة في منح الجنسية، مثل بوتان وكوريا الشمالية وقطر، وجميعها تهدف للمحافظة على هويتها أو التحكم في عدد السكان، أو الحد من النفوذ الأجنبي.
تعتمد غالبية دول العالم على مجموعة من الأسس والمعايير في منح جنسيتها للمميزين الذين قدموا إسهامات بارزة في العلوم، الفنون، الرياضة، أو الثقافة، أو لقيامهم بالاستثمار المالي في مشاريع كبرى وخلق فرص عمل، وهذه شائعة في دول مثل مالطا وقبرص والبرتغال. كما تقدم بعض الدول الجنسية لمن قدم خدمات وطنية (جليلة) مثل الخدمة العسكرية، العمل الدبلوماسي، أو المساهمة في الأمن القومي. كما تستهدف بعض الدول أصحاب المواهب الفريدة، في مجالات التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، أو الابتكار، بغية تعزيز مكانتها التنافسية عالميًا. أو منحها للاجئين بارزين أو شخصيات ناشطة في حقوق الإنسان.
كما تتبع الإمارات والسعودية سياسات مرنة في ما يتعلق بالتجنيس، تصب في مصلحة الدولة، وذلك بمنح الجنسية للمستثمرين، العلماء، الأطباء، والمبدعين الذين يقدمون إسهامات كبيرة.
من كل ذلك نرى أن من الضروري إبقاء المادة 5 من القانون المتعلق بالأعمال الجليلة، كما هي، مع ضرورة وضع تعريف واف ودقيق لها. وأن نتبع سياسة أكثر مرونة في ما يتعلق بمنح جنسية الدولة، ضمن معايير سليمة وواضحة لجذب أصحاب الكفاءات العالية، وأصحاب المشاريع، والإسهامات الاستثنائية في المجالات العلمية والفنية والثقافية وحتى الرياضية، والتي لها دور في رفع اسم الدولة في مختلف المجالات، ولا بأس إن بدأنا بمنح بعض هؤلاء الإقامة الدائمة، والتدرج تاليا لمنحهم الجنسية بناء على اعتبارات استراتيجية، مثل جذب الخبراء في مجالات أمنية أو تقنية تعتبرها الدولة ركيزة لتطوير بنيتها التحتية وتعزيز مكانتها في مجالات متخصصة.
أحمد الصراف