: آخر تحديث

كيف بدأ فقدان حرية الرأي في أمريكا

0
0
0

ميسون الدخيل

تشكيل منظمة مناهضة التشهير «ADL»، وهي منظمة يهودية راكمت سيطرة خانقة، فهي تراقب حياة الأمريكيين اليومية وتحاول السيطرة عليهم؛ سواء كان ذلك في المجال الاجتماعي أو التجاري أو الأكاديمي، وقد تأسست لأول مرة للدفاع عن قاتل مدان، وهذا بحد ذاته يسلط الضوء على اتجاه مقلق: التلاعب بالحقيقة من أجل السيطرة، فبينما يصفون أنفسهم بأنهم أبطال العدالة، فإن هدفهم الحقيقي هو إسكات الروايات المعارضة، ومن خلال تصوير القاتل على أنه ضحية بريئة، يتجاهلون الأدلة المضادة والدامغة، وكما يقول المثل: «الحقيقة مثل الأسد؛ لست مضطرًا للدفاع عنها، أطلقها؛ فهي قادرة على الدفاع عن نفسها». يمكن للحظة فردية أن تغير مسار التاريخ بشكل كبير، حيث يمكن لأفعال شخص واحد أن تشكل المستقبل وتؤثر في حياة أجيال: يمكن لفعل واحد خبيث أو سلسلة من الأكاذيب الخادعة أن تؤدي إلى الفوضى، وتوليد مجموعة تستعد لإعادة كتابة الماضي وصياغة مستقبل جديد. وفي الوقت الحالي، نواجه ذروة جهودهم، حيث توقع تنظيم الـ«ADL» هذه اللحظة منذ زمن بعيد، حيث ألبسوا نفوذهم ستار العدالة والإنصاف، كما سمحت لهم تكتيكاتهم بالهيمنة على الخطاب العام وقمع المعارضة وترسيخ أنفسهم كقوة متحكمة هائلة. تُعد قصة ماري فاغان، وهي فتاة صغيرة من أتلانتا، جورجيا، بمثابة تذكير مؤثر لكيفية أن السعي وراء الحقيقة قد تطغى عليه في بعض الأحيان أيادي الشر لتغير الأحداث من أجل تبرير ولادة تنظيم خبيث. في 26 أبريل 1913، الذي تزامن مع ذكرى الكونفدرالية، زارت ماري فاغان البالغة من العمر 13 عامًا صاحب عملها ليو فرانك لتحصيل أجرها الضئيل البالغ 1.20 دولار أمريكي. كانت والدة ماري الأرملة التي تنحدر من عائلة متعثرة، قد نقلت العائلة من ألاباما إلى «إيست بوينت» في أتلانتا بحثًا عن فرص عمل أفضل. وبشكل مأساوي، عُثر على ماري ميتة في وقت لاحق في قبو مصنع أقلام الرصاص حيث كانت تعمل، وعثر عليها «نيوت لي»، الحارس الليلي الأسود، وأثناء التحقيق، تم الكشف عن رسالة كانت بجانبها تشير إلى «لي»، وعلى الرغم من الاستجواب القاسي، أصر «لي» على براءته ولم يعترف. ومما زاد من تعقيد الموقف أنه تم العثور على قميص ملطخ بالدماء في منزله بناءً على معلومة من محامي المتهم الآخر «ليو فرانك» للشرطة كدليل يربط «لي» بالجريمة. أدى ذلك إلى شبه إعدامه من قبل حشد غاضب، ومع ذلك، ظلت الشرطة متشككة، حيث ظهرت أدلة تشير إلى أن «فرانك» استأجر محققين خاصين لتوريط «لي» حيث ظهرت تقارير عن الرشوة وتخويف الشهود في صحف بارزة مثل نيويورك تايمز. بعد تبرئة «لي»، ركز المحققون على اثنين آخرين من المشتبه بهم: «جيم كان»، بواب المصنع، و«ليو فرانك»، المشرف على المصنع. أما «جيم» فعلى الرغم من شغله لأدنى المناصب، إلا أنه كان يتقاضى راتبًا أعلى بكثير من العمال الآخرين الذين كان غالبيتهم من الأطفال، وأما «فرانك»، وهو آخر شخص عُرف بأنه رأى ماري على قيد الحياة، فقد وظف فريق دفاع من الدرجة الأولى. الآن من كان «ليو فرانك»؟ رجل أعمال يهودي يبلغ من العمر 29 عامًا نشأ في نيويورك وقضى عدة سنوات في التجول في أوروبا، وبعد تخرجه في جامعة كورنيل تعلم طرق العمل حتى يتمكن من إدارة شركة أقلام الرصاص الوطنية في أتلانتا، وهو مصنع يعمل فيه أكثر من مائة طفل، عبارة عن مبنى مكون من أربعة طوابق مغطى بالأوساخ مع القليل من التهوية حيث عمل «فرانك» كمشرف. أما خارج العمل كان منخرطًا في المجتمع اليهودي المحلي حيث أصبح رئيسًا لفرع «بناي بريث» في أتلانتا، والتي تعني «أبناء العهد» بالعبرية، وقد تأسست في نيويورك، في عام 1843 على يد مجموعة من المهاجرين اليهود الألمان؛ وهي نظير للمنظمات الأخوية التي كانت مزدهرة آنذاك في أمريكا، كما كانت أشبه ما تكون بالجمعية الماسونية في محافلها وأعمالها ولكن فقط للأعضاء اليهود، وهي أيضًا المنظمة الأم لمنظمة «ADL». استحوذت المحاكمة على الاهتمام الوطني طوال الصيف، وقد تم تقويض دفاع «فرانك» عندما اعترف «كونلي»، وهو موظف في المصنع، بأنه لم يكن أميًا، ما يشير إلى أن تورطه كان أكثر مما ادعى سابقًا. رفض «فرانك» خضوعه للاستجواب ثانية، على الرغم من الأدلة المتزايدة ضده، بما في ذلك الدم والشعر الذي عُثر عليه في مسرح الجريمة والتناقضات في حجة غيابه، لقد كان آخر شخص شاهد ماري على قيد الحياة، ولكنه إضافة إلى الاستعانة بأفضل فريق دفاع يمكن أن يشتريه المال، حظي أيضًا على دعم «بناي بريث» للتأثير على محاكمته. في البداية، ذكر «فرانك» أنه بقي في مكتبه بعد مغادرة ماري، لكن في وقت لاحق، ادعى أنه أخذ استراحة للذهاب إلى الحمام، وهو ما كان سيضعه بالقرب من موقع الجريمة، كما كشفت شهادات الموظفات عن ادعاءات بتصرفات غير لائقة من جانب فرانك، بما في ذلك مغازلات فجة، والجدير بالذكر أن شاهدة تبلغ من العمر 16 عامًا روت حادثة تحرش، بينما وصفت أخريات عروضًا بذيئة، ما أدى إلى إخلاء قاعة المحكمة بسبب الطبيعة الصريحة للشهادات. وبعد محاكمة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة ومليئة بمزاعم الرشوة والتلاعب بالشهود، وجدت هيئة المحلفين الكبرى بالإجماع أن فرانك مذنب بجريمة القتل، حيث تألفت هيئة المحلفين الكبرى من 23 عضوًا، من بينهم خمسة أعضاء بارزين من الجالية اليهودية في أتلانتا، وقيل إن اثنين منهم كانا من المعبد اليهودي الذي كان يرتاده فرانك. على الرغم من الاستئنافات التي تقدم بها، بما في ذلك استئناف إلى المحكمة العليا الأمريكية، خفف حاكم جورجيا «سلايتون» حكم الإعدام على فرانك إلى السجن مدى الحياة، وواجه رد فعل عنيف بسبب صلاته بفريق فرانك القانوني. وقد أدى هذا الاستياء العام في نهاية المطاف إلى قيام مجموعة من «فرسان ماري فاغان»، وهي أول عودة لجماعة كو كلوكس كلان (Ku Klux Klan)، بتطبيق العدالة بأيديهم عن طريق اختطاف فرانك وإعدامه شنقًا، بمعنى حتى الـ«KKK» والتي تكره السود وكان أمامها متهم أسود، لم تصدقه. سعي «ADL» إلى محو هذه اللحظة من التاريخ ليس سوى تذكير بأن الحقائق ليست بغيضة، وأنها كالأسد الذي يستطيع الدفاع عن نفسه. كما أن وثائق المحكمة الرسمية، ومقالات الصحف، وشهادات الشهود، وإفادات عائلة الضحية توفر معلومات قيّمة، فإنها أيضًا تبين أساس التلاعب بالحقائق واستخدام السلطة والتأثير السلبي الخانق لهذه المنظمة المشبوهة على المجتمع الأمريكي اليوم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد