إيلاف من الرباط: كشفت وثيقة دبلوماسية فرنسية مصنفة "سري – للاحتياط"، مؤرخة في 19سبتمبر 1962، عن حجم "الخيانة" الذي تعرض لها المغرب في الوقت الذي كان يمد يد العون للمقاومة الجزائرية، ويدعمها بالمال والسلاح والرجال. كما أبرزت أن جذور التوتر المغربي–الجزائري حول الصحراء سبقت لسنوات عام 1975.
وتكشف الوثيقة، التي تعد ضمن الوثائق التي رفعت عنها فرنسا طابع "سري جدا"، أن ضابطا في جيش التحرير الوطني الجزائري عرض على قوات الاحتلال الإسباني في الصحراء المغربية إقامة تعاون عسكري مباشر ضد المغرب.
وتكشف الوثيقة، الموجهة من السفارة الفرنسية في الرباط إلى وزارة الخارجية بباريس، أن ملازماً جزائرياً، على رأس دورية عسكرية مزودة بسيارات، توجه في 16 سبتمبر 1962 إلى المركز الإسباني في منطقة المحبس بمحافظة الساقية الحمراء، حيث التقى قائد الموقع الإسباني، وأبلغه برغبة الجزائر في إقامة "علاقات ودية" مع سلطات الاحتلال في القطاع المحاذي لتندوف.

نسخة من الوثيقة
وبحسب نص البرقية، اقترح الضابط الجزائري إنشاء قنوات لتبادل المعلومات عن المغرب، وإقامة اتصالات لاسلكية مشفرة مشتركة بين الجيشين الجزائري والإسباني، إضافة إلى تنظيم لقاءات مباشرة بين الدوريات العسكرية للطرفين في الميدان.
وأشارت البرقية كذلك، إلى أن هذه المعلومات وردت من "مصدر يجب حمايته"، في إشارة واضحة إلى حساسية المعطيات.
الوثيقة، التي جاءت بعد أقل من شهرين على استقلال الجزائر، تكشف أن هذا العرض للتعاون تم في وقت كان فيه المغرب قد وفر دعماً كبيراً للثورة الجزائرية طيلة سنوات الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، حيث فتح أراضيه لتمرير السلاح وتدريب المقاتلين، وموّل عمليات المقاومة في إطار التضامن المغاربي.
لكن ما تكشفه هذه البرقية يسلط الضوء على أن الجزائر، بعد استقلالها مباشرة، كانت تضع أولى لبنات سياسة أمنية إقليمية تستهدف المغرب في الصحراء، من خلال نسج اتصالات مع القوة الاستعمارية الإسبانية، الخصم الرئيسي للمغرب في قضية وحدته الترابية.
هذه الواقعة المبكرة تبرز أن جذور التوتر المغربي–الجزائري حول الصحراء أعمق بكثير مما يوحي به تاريخ اندلاع النزاع الرسمي في منتصف السبعينيات، وأن خيار الجزائر في التموقع إلى جانب إسبانيا في مواجهة المغرب كان مطروحاً منذ البدايات الأولى لاستقلالها، حتى على حساب الروابط التاريخية التي جمعت البلدين في حرب التحرير.