: آخر تحديث

الأطباء.. وبنتاغون «الأوقاف»

2
2
2

يعتبر مبنى وزارة الدفاع / الحرب، الأمريكية، البنتاغون، من أكبر المباني في العالم، لما للآلة الحربية من دور خطير في السياسة الخارجية لأمريكا، وفي ازدهار الجانب العسكري من اقتصادها.

لدينا في الكويت وزارة أوقاف، ولو تمعنا قليلاً في هيكلها الإداري لتبيّن أنها بالفعل دولة داخل دولة، فلديها كل أجهزتها تقريباً، ولا أحد يود أن يلتفت إليها، و«يرشقها»، ويوفّر على المال العام عشرات الملايين سنوياً. فلو قررت الحكومة غداً إغلاق أبواب هذه الوزارة، وتوزيع مهامها الأساسية وموظفيها على الوزارات، لما أحس أحد بغيابها، فالدين الذي يفترض أنها تتولى العناية بأموره، كان قوياً قبلها بأكثر من ألف عام، وسيبقى كذلك، وبالتالي هي جهة متفرّغة تماماً لتنفيع الأحزاب الدينية، ولم تنتفخ وتتشعب مهامها إلا مع ضعف الحكومات السابقة، وسيطرة الأحزاب الدينية عليها، وتحويلها إلى جهة تنفيعية، تمويلية، لأنشطتها وتوظيف أتباعها، في مراكز «سراجية» و«وسطية» و«مدرسية» وغيرها، وكلها جهات إما غير ذات أهمية أو لا حاجة لها، فكيف يمكن تصديق أن عدد المدرسين العاملين في مدارس الأوقاف يفوق الـ34 ألف مدرس ومدرسة، لا يداوم أغلبيتهم في أماكن عملهم، كما هو مطلوب.

* * *

صدرت بالأمس تعليمات لمسؤولي الأوقاف بفصل إمام مسجد، وسحب البيت المخصص لسكنه منه، بعذر مخالفته لِميثاق المساجد، وإساءته لمذهب دولة شقيقة، وتقليله من شأن قضية غزة، وهو ما يخالف سياسة الحكومة الخارجية.

لا نود التوسّع في مناقشة خلفيات القرار وموجباته، ولكن أين كانت الوزارة من هذا الداعية، ومن سابق آرائه، الدينية والمذهبية والسياسية، فهو ليس جديداً عليها، ومسؤولو الوزارة يعرفون حق المعرفة «جاميته» و«مدخليته» وسلفيته، وكل مواقفه، سواء من قضية غزة، خاصة بعد أكتوبر 2023، وما قبلها بكثير. فقد كانت له ولا تزال مقابلات تلفزيونية، وأشرطة دعوية، ومقالات صحافية، ومواقع على وسائل التواصل، علماً بأن بعض مواقفه تتحدد من خلال شديد عدائه للإخوان، الذين يسيطرون تاريخياً على الأوقاف، وبالتالي فإن سكوتهم عنه، كواعظ، غالباً أتى من منطلق لعبة «توازن توزيع المنافع» بين الحزبين الدينيين الكبيرين، داخل بنتاغون الأوقاف.

* * *

تجاوز هذا الداعية الكويتي الستين من العمر، ومن المفترض، كمواطن، ولما كان له من نفوذ، امتلاكه لسكن خاص، ومع هذا خصصت الأوقاف أحد بيوتها لسكنه، شاملاً كل مصاريفه، وهذا غالباً متبع مع بقية الأئمة. لكن المفارقة المؤلمة أن هؤلاء الأئمة، مع كامل الاحترام لهم، مواطنين وغيرهم، تخصص الدولة لهم بيوتاً، وبإمكان المواطنين منهم استخدامها، والاستفادة في الوقت نفسه من تأجير بيوتهم. علماً بأن عدد ساعات عمل هؤلاء قليلة جداً، وأغلبيتهم، إن لم يكن كلهم، أنهوا الثانوية، والتحقوا بمعهد ديني، وأنهوا دراستهم فيه، وأمّنوا مستقبلهم. في الوقت الذي نجد فيه أن الأستاذ الجامعي، أو الطبيب، أو من في حكمه، قد أنهى دراسته الثانوية، وقضى بعدها سنوات تصل أحياناً إلى العشر في الدراسة الصعبة والمرهقة، ليعود ليعمل في مهن شاقة بالفعل، ولساعات عمل تزيد بأضعاف على ساعات عمل الإمام، ومع هذا لا يلقى ما يلقاه أو يناله إمام المسجد من توقير وتكريم مادي ومعنوي. علماً بأن كل الأئمة والمؤذنين وجيش العاملين في الأوقاف، وجميعنا من دون استثناء، بحاجة إلى الطبيب! وربما لا حاجة إلى كل الأطباء، وأيضاً من دون استثناء، إلى بنتاغون الأوقاف!


أحمد الصراف



عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد