: آخر تحديث

دبلوماسية البيجر: مهمة لاريجاني لإنعاش ما تبقّى من مشروع إيران الإقليمي

2
2
2

مكرم رباح

عندما يحطّ المسؤول الإيراني البارز علي لاريجاني في بيروت هذا الأربعاء، ستُقدَّم زيارته على أنها جولة دبلوماسية، لكن ما خُفي وراء الأبواب المغلقة شيء مختلف تمامًا. فالرجل، الذي كان رئيسًا لمجلس الشورى واليوم يشغل منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، يزور البلاد في لحظة تترنّح فيها شبكة وكلاء طهران في المشرق، وعلى رأسهم حزب الله، تحت وطأة التآكل العسكري والسياسي. لا يتمحور هدف الزيارة فقط حول التشاور بحد ذاته، بل إنها محاولة عاجلة لإنعاش نفوذ إيران في لبنان، وإن كان ذلك بمثابة إنعاش مريض يحتضر.

يريد لاريجاني ترسيخ فكرة استمرار إيران بالتحكم بزمام الأمور في الساحة الشيعية اللبنانية ضِمنًا مفاتيح اتخاذ القرار، إضافة إلى التأكيد على أن أي حوار مع حزب الله يمرّ إلزاميًا عبر بوابة طهران. لكن هذه الرسالة باتت أصعب على الهضم بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت شبكة اتصالات الحزب عبر "البيجر"، وأدّت، بين ما أدّت إليه، إلى إصابة السفير الإيراني في بيروت نفسه الذي كان يحمل جهازًا من الشبكة المستهدفة عينها. وبالتالي، خرجت الصورة التي حاولت طهران تجنّبها إلى العلن: دبلوماسي إيراني غارق حتى أذنيه في العمليات الميدانية للحزب، مما يعكس دمجًا فادحًا بين العمل الدبلوماسي والتنسيق العسكري.

إلا أنه في الواقع طهران لا تتحرّك اليوم من موقع قوة. لقد بدأت أوصال الشبكة الإيرانية تتفكك على صعيد جبهاتها كافة، من الحشد الشعبي في العراق إلى الحوثيين في اليمن. وجرّدت سنوات الاستنزاف العسكري وتبدّل المعادلات الإقليمية هذه الميليشيات من هيبتها القديمة. أما في لبنان، فالوضع أشد خطورة: دمّر انهيار الاقتصاد شبكات الزبائنية التي كان الحزب يموّلها من خزينة الدولة ومن اقتصاد ظلّ قائم على التهريب وتجارة المخدرات والوقود. ومع ركود الاقتصاد السوري، تقلصت أيضًا قنوات التهريب التي كانت تدرّ مليارات الدولارات على الحزب.

اليوم، لم يعد الحزب قادرًا على شراء الولاءات كما في السابق، وبدأت شرعيته داخل بيئته تتآكل عند نشوب كل أزمة معيشية. أما ما تبقّى من سلاحه فيُستخدم في الداخل لقمع المعارضين وإسكات الأصوات، لا لمواجهة عدو خارجي. من "مقاومة" مزعومة إلى ميليشيا تحرس نظام فساد، هكذا انتقل حزب الله من خطاب الثورة إلى خطاب الحراسة.

تكشف أيضًا زيارة لاريجاني عن تحوّل أوسع في الحسابات الإيرانية: لم تعد طهران تخطط للتوسع بقدر ما تحاول حماية ما تبقى من نفوذها السياسي، وإن فقدت تفوقها العسكري. لكنها تصطدم الآن بواقع جديد، حتى في معاقلها، وهو تراجع تأثير التهديدات القديمة؛ فأحداث 7 أيار 2008 كانت في الماضي كفيلة بإسكات الخصوم، أما اليوم، فالتلويح بالسلاح لا يطعم خبزًا في بلد مفلس.

إن المعضلة بالنسبة لإيران وحزب الله مزدوجة: لقد شَحّ المال، وسردية القتال تآكلت. كما وتزداد وتيرة عزلهم داخل لبنان في ظل إصرارهم على احتكار تمثيل الطائفة الشيعية، إذ إنهم يخسرون ما تبقى من شرعية أمام بقية مكوّنات المجتمع.

تتلخص رسالة لاريجاني إلى لبنان والمنطقة والولايات المتحدة في أن تجاوز طهران في أي تسوية أمر مستحيل. لكن في الواقع يشهد مشروع إيران الإقليمي تراجعًا واضحًا، وحزب الله، رغم خطورته، لم يعد عصيًا على الكسر. وبالتالي، هل يصرّ لبنان مجددًا على تأدية دور "الجسد المُضيف" لمشروع يحتضر، أم يقرّر أخيرًا استعادة سيادته والتوقف عن دفع فاتورة أحلام توسعية خارجية؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد