: آخر تحديث

حين تكون السعادة على هيئة شخص!

5
4
4

نحن أبناء مجتمعات لا يعلن فيها الحب، لكنه يمارس بصمت، نحب حين نشعر بالأمان، لا حين نُغرق الآخر بالأسئلة، نختبر الصدق في النظرة، لا بكثرة الكلمات، ونعرف أن من يحبك حقًا لن يُتعبك في إثبات مشاعره، هو فقط سيكون هناك كلما مالت بك الحياة، وفي حياتنا الصاخبة الجافة تمضي أيامنا كما تمضي الصحراء في قيظها، لا ظل فيها ولا ارتواء، ثم يأتي بعض الناس كالمطر، كأن الحياة رغم قسوتها قررت أن تعتذر عن كل ما فعلته بنا لتهدينا سعادة على هيئة شخص، ليس صاخبًا ولا استعراضيًا، لا يقتحمك كغريب مدهش بل يتسلل إليك كشيء كنت تعرفه ونسيت اسمه فقط، ذلك الشخص الذي تهديك إياه الحياة لا يصنع المعجزات، لكن يجعل التفاصيل العادية جديرة بالحياة، يذكرك أن القهوة أجمل حين تشارك، وأن التعب لا يرهقك كثيرًا إذا كان هناك من يحتضن روحك قبل جسدك.

وفي مدن نعيش فيها على عجل، ونكبر فيها على غفلة، نحتاج إلى من يبطئ لنا الزمن، إلى من يجعل الانتظار شعورا محببًا لا عقوبة زمنية، ونحتاج إلى من يعيد تعريف الأشياء لنا؛ معنى الطمأنينة، ومعنى أن تكون مرئيًا في عيون شخص واحد، حتى لو غابت عنك عيون العالم.

ليس شرطًا أن يكون «الشخص الهدية»‏ حبيبًا بالضرورة، إذ قد يأتي على هيئة صديق، أخ، أو طفل يحبك دون شروط.. الفكرة ليست في هويته وشكله بل في أثره، في ذلك الدفء الذي تشعر به حين يكون قربك، وكأنك ولأول مرة في حياتك لا تحتاج أن تتجمل لتُقبَل.

‏صحيح أن الحياة تعاقبنا في معظم الوقت، لكنها أيضًا أحيانا تُكفّر عن ذنوبها بمن تهديك؛ ببعض الوجوه التي لا تطلب شيئًا، فقط تمنحك الأمل، وتغرس بداخلك يقينًا أن الطيبين لا ينقرضون، فقط يتأخر حضورهم قليلًا، ‏فاحرص حين تهديك الحياة شخصيًا بهذه الندرة أن تحافظ عليه بامتنان وبخشية الفقد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد