: آخر تحديث
خسائر فادحة وتغيرات هيكلية:

هل يتغير وجه حزب الله بعد الحرب الأخيرة؟

1
1
1

تتوالى الأنباء والتسريبات حول حجم الخسائر التي تكبدها حزب الله في الحرب الأخيرة، والتي تشير إلى أرقام صادمة وتغيرات جذرية قد تعيد تشكيل بنيته وقدراته. فوفقًا لمصادر مطلعة، تجاوز عدد قتلى الحزب أربعة آلاف، بما في ذلك قادة عسكريون وسياسيون بارزون وعناصر من الصفوف الأمامية. هذه الأرقام، إذا تأكدت، تمثل ضربة قاسية للحزب، الذي يشتهر بكونه قوة عسكرية وتنظيمية ذات خبرة واسعة في المنطقة. وتتجاوز هذه الخسائر بكثير ما أعلنه الحزب رسميًا في السابق، مما يثير تساؤلات حول مدى الشفافية في الإعلان عن حجم الأضرار التي لحقت به. ففي نزاعات سابقة، كان الحزب يميل إلى التقليل من حجم خسائره، لكن حجم هذه الأرقام المتداولة هذه المرة يشير إلى أن المعركة كانت أكثر ضراوة وأشد فتكًا مما كان متوقعًا، وربما تعد هذه الخسائر هي الأكبر التي يتكبدها الحزب في تاريخه الحديث، مما سيؤثر بلا شك على قدرته على خوض صراعات مستقبلية بنفس الوتيرة.

كما ساهم تراجع القوة البشرية وتآكل الولاءات، وبالرغم من أن التقديرات الحالية تشير إلى أن عدد مقاتلي حزب الله لا يزال يقدر بنحو ستين ألفًا، وهو رقم كبير بلا شك يعكس قدرة الحزب على التعبئة والاستقطاب، إلا أن هذه الحرب خلفت آثارًا جانبية خطيرة على تماسك صفوفه. فمن بين تلك المؤشرات المقلقة بالنسبة للحزب، الأخبار التي تفيد بأن نحو ألفي مقاتل قد تركوا صفوفه بعد عملية اغتيال أمينه العام السابق، حسن نصر الله. يشير هذا الانشقاق، حتى لو كان يمثل نسبة صغيرة من إجمالي المقاتلين، إلى تآكل في الولاءات أو فقدان للثقة في القيادة الجديدة، وقد يكون له تأثير معنوي كبير على الروح القتالية للمقاتلين المتبقين. عادة ما تكون مثل هذه الانشقاقات نتيجة لعوامل متعددة، منها فقدان القيادة الكاريزماتية، أو الشعور بالإحباط من مسار الصراع، أو حتى خلافات داخلية حول استراتيجية الحزب المستقبلية. هذه الظاهرة، إذا استمرت، قد تؤثر على قدرة الحزب على تجديد صفوفه والحفاظ على مستوى الانضباط والفعالية الذي اشتهر به سابقًا.

وقد أجبر الحزب على البحث عن وسائل مواجهة بديلة وأعاد هيكلة المراكز التدريبية، لكن انحسار النفوذ الجغرافي يعتبر تراجعًا استراتيجيًا، وسينجم عنه تغيرات جوهرية سيمر بها الحزب. وتشير المصادر إلى أن حزب الله قد أغلق عددًا من مراكزه للتدريب في منطقتي البقاع والجنوب اللبنانيتين. هذه الخطوة قد تعكس إما نقصًا في المقاتلين الجدد الذين يحتاجون إلى التدريب، أو تغييرًا في استراتيجية الحزب التي قد تركز على نوعية المقاتلين بدلاً من الكمية، أو ربما محاولة لتجنب استهداف هذه المراكز من قبل إسرائيل بعد الخبرة المريرة للحرب الأخيرة. تاريخيًا، كانت هذه المراكز بمثابة شريان الحياة للحزب، حيث يتم فيها تدريب وتأهيل الأجيال الجديدة من المقاتلين، وتلقينهم العقيدة القتالية للحزب. إغلاقها أو تقليصها يشير إلى تحول كبير في آلية عمل الحزب. علاوة على ذلك، فإن الأنباء التي تتحدث عن أن أكثر من 80 بالمئة من منطقة جنوب الليطاني باتت الآن تحت سيطرة الجيش اللبناني، تمثل ضربة قاسية للنفوذ الجغرافي للحزب. لطالما كانت هذه المنطقة معقلًا رئيسيًا لحزب الله، وخطًا دفاعيًا أماميًا له ضد إسرائيل، ونقطة انطلاق لعملياته. فقدان السيطرة على جزء كبير من هذه المنطقة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يحد من قدرة الحزب على التحرك والتمركز بحرية، ويضعف من موقفه التفاوضي والأمني على حد سواء.

مصادرة الأسلحة وتدميرها: تقويض القدرات العسكرية
ربما تكون الأخبار الأكثر تأثيرًا على القدرات العسكرية لحزب الله هي تلك المتعلقة بمصير أسلحته المتوسطة والثقيلة. فوفقًا للمصادر، إما أن الجيش اللبناني قد قام بمصادرة هذه الأسلحة، أو أن إسرائيل قامت بتدميرها خلال الحرب. في كلتا الحالتين، فإن فقدان الحزب لهذه الفئة من الأسلحة، التي تشمل الصواريخ بعيدة المدى، والقذائف الموجهة، وربما حتى بعض أنواع المدفعية، يمثل ضربة قاصمة لقدراته الهجومية والدفاعية. لطالما اعتمد الحزب على ترسانته الصاروخية لتهديد إسرائيل وكسر توازن الردع. مصادرة هذه الأسلحة من قبل الجيش اللبناني، إذا تأكدت، ستكون خطوة غير مسبوقة تعزز من سيادة الدولة على أراضيها، وقد تكون جزءًا من اتفاقية أوسع لإنهاء الصراع، أو نتاج ضغوط دولية مكثفة. أما تدميرها من قبل إسرائيل، فيدل على فعالية عملياتها العسكرية الاستباقية خلال الحرب، وعلى سعيها لتقويض القدرات العسكرية للحزب بشكل جذري. هذا التطور يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل حزب الله كقوة عسكرية مؤثرة في لبنان والمنطقة، وما إذا كان سيضطر إلى إعادة تقييم استراتيجيته العسكرية بالكامل في ضوء هذه الخسائر الفادحة.

كما يواجه الحزب في المرحلة الحالية تحديات مصيرية قد تحدد مساره المستقبلي بشكل جذري، لا سيما في ظل ما يبدو أنه انحسار للدعم الإيراني التقليدي، وتورطه في صراع أوسع يتجاوز حدود لبنان، حيث بات يُنظر إليه كـ "ذراع" للدفاع عن مصالح إيران في المنطقة. هذه الظروف تضع الحزب أمام مفترق طرق، فإما أن يتكيف مع المتغيرات الجديدة ويُعيد تقييم أولوياته، أو أن يواجه تداعيات قد تهز بنيته وتضعف نفوذه. تاريخيًا، كان الدعم الإيراني، سواء المالي أو العسكري أو اللوجستي، هو العصب الرئيسي الذي سمح لحزب الله بالنمو والتطور ليصبح قوة عسكرية وسياسية لا يستهان بها في المنطقة. فقد قدّرت بعض التقارير أن إيران كانت تدفع ما بين 700 مليون ومليار دولار سنويًا للحزب، بالإضافة إلى تزويده بالأسلحة والتدريب والتكنولوجيا. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى أن هذه العلاقة قد تشهد تحولًا، نتيجة لعدة عوامل، منها الضغوط الاقتصادية التي تواجهها إيران نفسها جراء العقوبات الدولية، وربما تغير في أولويات طهران في ظل التحديات التي تواجهها على جبهات أخرى.

تأثير الخسائر البشرية والمادية على قدرة الحزب
تُعتبر الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها الحزب في الحرب الأخيرة، والتي تشير بعض المصادر إلى تجاوزها 4000 قتيل بين قادة وعناصر، ضربة موجعة لحزب الله. هذه الأرقام، إذا صحت، تتجاوز بكثير ما أعلنه الحزب رسميًا، وتثير تساؤلات حول قدرته على الحفاظ على مستوى عالٍ من الكفاءة والجاهزية العسكرية. ففقدان القادة ذوي الخبرة، مثل الأمين العام السابق حسن نصر الله وهاشم صفي الدين وإبراهيم عقيل، لا يؤثر فقط على الجانب العملياتي، بل يترك فراغًا قياديًا قد يكون من الصعب ملؤه على المدى القصير، وربما يؤدي إلى تراجع في الروح المعنوية للمقاتلين. هذا بالإضافة إلى أن تدمير أو مصادرة جزء كبير من الأسلحة المتوسطة والثقيلة، كما ورد، سيحد من قدرة الحزب على شن هجمات كبيرة أو الدفاع عن نفسه بنفس الكفاءة السابقة. ففي السابق، كانت ترسانته الصاروخية تشكل ركيزة أساسية في استراتيجيته العسكرية، والمساس بها يؤثر على توازن القوى الذي اعتاد الحزب على امتلاكه في مواجهاته مع إسرائيل.

الضغوط المالية وتراجع الخدمات الاجتماعية
لم يقتصر تأثير تراجع الدعم الإيراني على الجانب العسكري فحسب، بل امتد ليشمل الجانب المالي والاجتماعي للحزب. لطالما عمل حزب الله كـ "دولة داخل الدولة" في لبنان، مقدمًا مجموعة واسعة من الخدمات الاجتماعية لأتباعه، بما في ذلك الوظائف والرعاية الصحية والتعليم والدعم المالي لأسر القتلى والمصابين. هذه الشبكة الاجتماعية كانت ركيزة أساسية لتعزيز ولاء قاعدته الشعبية وتأمين الدعم السياسي. ومع التحديات المالية التي يواجهها الحزب، والتي قد تنتج عن انخفاض التمويل الإيراني أو حتى الجهود اللبنانية والدولية لوقف تدفق الأموال، أصبح من الصعب على الحزب الوفاء بالتزاماته تجاه أنصاره. فقد أشارت تقارير إلى أن الحزب يعاني من ضائقة سيولة كبيرة، مما يجعله يكافح من أجل تقديم المدفوعات والتعويضات. هذا الوضع قد يؤدي إلى تضاؤل الولاء على المدى البعيد، حيث قد يشعر أنصار الحزب بأن قدرته على توفير المنافع المادية والسياسية والأمنية قد تراجعت بشكل كبير.

انحسار النفوذ الجغرافي وتحديات التجنيد
تُعتبر الأنباء التي تتحدث عن أن أكثر من 80 بالمئة من منطقة جنوب الليطاني باتت تحت سلطة الجيش اللبناني، إلى جانب إغلاق معظم مراكز التدريب في البقاع والجنوب، مؤشرًا آخر على تراجع نفوذ حزب الله. لطالما كانت هذه المناطق معاقل رئيسية للحزب، حيث يمارس فيها سيطرة شبه كاملة. فقدان هذه السيطرة، أو حتى تقليصها، يحد من قدرة الحزب على التحرك والتمركز بحرية، ويجعل عملياته أكثر عرضة للاستهداف. وفيما يتعلق بتجنيد المقاتلين، فإن الأنباء عن انشقاق حوالي 2000 مقاتل بعد اغتيال نصر الله، وإن كانت نسبة صغيرة من إجمالي المقاتلين (60 ألفًا)، فإنها قد تكون مؤشرًا على تراجع المعنويات أو تصدعات داخلية. ففي ظل الخسائر الكبيرة، والتحديات المالية، وفقدان القيادة الكاريزماتية، قد يواجه الحزب صعوبة أكبر في استقطاب مقاتلين جدد والاحتفاظ بصفوفه، مما يؤثر على قدرته على تجديد نفسه والحفاظ على قوته البشرية.

مستقبل الدور الإقليمي لحزب الله: من الهجوم إلى الدفاع؟
في ظل هذه التحديات، يبرز التساؤل حول اتجاه حزب الله المستقبلي، خاصة في ظل انحسار الدعم الإيراني الواضح والتوقعات بأن الحزب بات يخوض "معركة الدفاع عن إيران" أكثر من كونه مدافعًا عن لبنان. ففي السابق، كان حزب الله يعتبر ذراعًا لإيران في المنطقة، يستخدم في استراتيجية "المقاومة" ضد إسرائيل وكمكون أساسي في "محور المقاومة". إلا أن الضربات الإسرائيلية الموجعة، وتخلي النظام السوري عن دعمه المباشر للحزب خلال الحرب الأخيرة، وضعف القدرات الإيرانية على تقديم الدعم بنفس الحجم السابق، قد تدفع الحزب إلى إعادة تقييم دوره.

هذا لا يعني بالضرورة انهيار حزب الله، بل قد يعني إعادة تموضع استراتيجية. قد يضطر الحزب إلى التركيز بشكل أكبر على البقاء والدفاع عن مصالحه المتبقية في لبنان، بدلاً من التورط في صراعات إقليمية واسعة نيابة عن إيران. قد يشهد الحزب تحولًا نحو استراتيجية تعتمد على "التأقلم والإنتاج الذاتي" للأسلحة والاعتماد على الخبرات المتراكمة بدلاً من الاعتماد الكلي على الدعم الخارجي.

في النهاية، يبدو أن حزب الله يمر بمرحلة انتقالية حرجة. فالخسائر البشرية والمادية، والضغوط المالية، وتآكل النفوذ الجغرافي، وانحسار الدعم الإيراني، كلها عوامل تشير إلى أن الحزب لن يكون كما كان من قبل. مستقبل حزب الله سيعتمد على مدى قدرته على التكيف مع هذه المتغيرات، وإعادة بناء قدراته، وإيجاد توازن جديد بين دوره كقوة محلية ووكيل إقليمي، مع الأخذ في الاعتبار أن مسار الأحداث في المنطقة لا يزال متقلبًا وقد يحمل مفاجآت.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.