: آخر تحديث

لقاء مع سكرتير عام الأمم المتحدة

2
2
2

كنت في جزيرة مانهاتن بنيويورك أسير في حديقة تود ج. هولتون بارك الصغيرة بالقرب من مبنى الأمم المتحدة الشهير، والذي يقع على ضفاف نهر "إيست ريفر"، وفجأة شاهدت "أنطونيو غوتيريش" سكرتير عام الأمم المتحدة يسير بمفرده، ويبدو أنه يأخذ استراحة الغداء ويعتمد على أنه غير معروف لعامة الناس. ولم أر حوله أي حراسة شخصية، ولكني لمحت خلفه من بعيد ثلاثة أشخاص أضخم من أي فيل في حديقة حيوانات الجيزة، ويرتدون نظارات "راي بان" السوداء الشهيرة.

وبجرأة شديدة قررت الاقتراب منه للدردشة معه، وخاصة في خضم تلك الأحداث في العالم في غزة وأوكرانيا وإيران وإسرائيل، ولكني خفت من الأفيال الثلاثة التي تحرسه من بعيد، لذلك اقتربت وأنا رافع اليدين لكي أبين بأني لا أحمل أي سلاح من أي نوع، وقلت له:
هل يسمح لي سيادة السكرتير العام بالاقتراب والحديث معك؟
ورأيته يلوح بيده للحراس البعيدين بإشارة معناها بالمصري: "سيبوه ده معايا".
وتشجعت واقتربت أكثر منه ومددت يدي لمصافحته، فصافحني بحرارة.
واقترب من أحد المقاعد الرخامية في الحديقة وقال لي: تفضل.
وجلسنا سويا وأعطيته كارت الشركة التي أعمل معها، ونظر إلى الكارت بسرعة وقرأ الاسم

وقال:
اسم عائلتك البحيري؟
قلت: نعم.
قال: دعني أخمن، أنت من أصول عربية.
قلت: هذا صحيح، لو خمنت من أي بلد عربي فسوف أعزمك على آيس كريم.
فابتسم وقال: من مصر.
فتعجبت وقلت له: برافو، كيف عرفت؟
وقال: تخمين حسابي ليس إلا، مصر يبلغ تعدادها تقريبًا ثلث العالم العربي، فكان عندي فرصة نجاح ٣٣.٣٣٪؜.
وضحك.
وسألني عن عملي وقلت له عن شركتي باختصار، ولكني قلت له: أنا أنتهز فرصة لن تتكرر لكي أدردش مع سكرتير عام الأمم المتحدة لكي أسأله عن عمله.
فقال: ويسعدني ذلك، تفضل.
فسألته: كيف حصلت على وظيفة سكرتير عام الأمم المتحدة؟
فقال: هذه مسألة بسيطة، سكرتير عام الأمم المتحدة يجب أن ترضى عنه كافة الدول وخاصة أميركا وإسرائيل، ويفضل ألا يكون السكرتير العام من أميركا أو من الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا).
قلت: ما هي مدة خدمة السكرتير العام؟
قال: خمس سنوات، وعادة تجدد لمدة واحدة لكي تصبح عشر سنوات.
قلت: ولكني أعرف أن الدبلوماسي المصري الشهير بطرس بطرس غالي تولى فترة واحدة فقط.
قال: نعم، هذا صحيح، وقد وافق كل أعضاء مجلس الأمن على تمديد مدته باستثناء أميركا التي استخدمت حق الفيتو ضد تجديد خدمته، لذلك كان الوحيد الذي خدم مدة واحدة.
فقلت: ولماذا رفضت؟
قال: لم تصدر الولايات المتحدة توضيحًا كافيًا، ولكن بطرس غالي كان متعاطفًا مع القضية الفلسطينية وكان ضد تحكم أميركا في الأمم المتحدة، وقالت له وزيرة خارجيتها آنذاك مادلين أولبرايت: "لقد قررنا أنك يجب أن تذهب. لا شيء شخصي."
قلت: يعني السكرتير العام لا بد أن يكون مطيعًا لأميركا لكي يستمر!!
قال وهو يبتسم: لا تعليق.
قلت له: من الأشياء التي نتندر بها بين الأصدقاء أن سكرتير عام الأمم المتحدة كل ما يفعله هو الشعور بالقلق على أي مشكلة أو حرب يموت فيها أبرياء.
ضحك وقال: زوجتي تقول نفس الشيء، ولكني أقول لها إني أفعل أكثر من الشعور بالقلق، وأحيانًا أشعر بالقلق الشديد وأحيانًا يشمل الشعور بالقلق الاستنكار لما يحدث، بل وفي حالات نادرة أشجب ما يحدث.
فقلت: هل حدث مرة واستخدمت عبارة "التنديد الشديد"؟
قال: ممنوع علينا استخدام تعبير التنديد سواء التنديد الشديد أو حتى البسيط لأننا مفروض أن نكون محايدين.
فقلت له: كيف تستطيع النوم مع القلق الشديد بل وحتى القلق العادي الذي تشعر به دائمًا مع كل ما يحدث في العالم؟
قال وهو يضحك عاليًا: أنا أنام في سرير منفصل عن زوجتي حتى لا أوقظها بسبب قلقي الشديد!!
قلت له: في مارس من 2024 قمتم بزيارة الحدود المصرية مع غزة عند معبر رفح ولم تكتفِ بالقلق الشديد فقط، بل لقد أوضحت أن الوضع في غزة أصبح كارثيًا ووصفت منظمات إغاثة تعاني لتوصيل المواد، وبعض العبارات التي أطلقتها كانت غير مسبوقة وتجاوزت كثيرًا مرحلة القلق والشجب، بل لقد قلت:
“إما أن نفيض بالمساعدات أو نختار المجاعة.”
“منطق التجويع هو جريمة أخلاقية.”
“هنا من هذا المعبر نرى كسر القلوب وقسوة الواقع."
وفجأة ظهر الحزن على وجهه وحاول أن يخفي دمعة وقال: الوضع كان ولا يزال كارثيًا وفوق احتمال البشر، وأحيانًا أحزن عندما أشعر أني مكتوف اليدين، لأن القوى الكبرى في العالم راضية عن هذا الوضع الكارثي.

فقلت له: لقد اتهمك وزير الخارجية الإسرائيلي "يسرائيل كاتس" في العام الماضي بمعاداة السامية وبأنك شخص غير مرغوب فيه ومنعوك من دخول إسرائيل، وهذا شيء لم يحدث من قبل.
ابتسم قائلًا: تهمة معاداة السامية أصبحت مستهلكة وأصبحت لا تخيف أحدًا.
قلت له: لقد اشتركت ابنتي في مظاهرة كبيرة في نيويورك وطالبت بوقف فوري للنار في غزة وتم اتهام كل المتظاهرين بمعاداة السامية بالرغم من أن معظم المتظاهرين كانوا من يهود نيويورك!!
قال ضاحكًا: فيه احتمال أن يتهم نتانياهو حزب العمل المعارض في إسرائيل بمعاداة السامية أيضًا!

وقلت له: سؤال أخير، لو أردت أنا أن أتقدم لمنصب سكرتير عام الأمم المتحدة القادم، كيف أستطيع ذلك؟
قال: هل أنت شخص قلق بطبعك؟
قلت: نعم، أنا أقلق كثيرًا طول الوقت على أي شيء وعلى أتفه الأشياء.
قال ضاحكًا: خلاص، سوف تكون مثاليًا لمنصب سكرتير عام الأمم المتحدة، فقط يجب أن تحصل على موافقة مستر ترامب!!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.