سقط شيءٌ من عيني،
ارتطم بالأرض.
قبل السقوط، رأيتُه معلَّقًا في بؤبؤ العين،
كلما رفعتُ طرفي نحو السماء، تراءى لي كإنسان يحمل كتابًا وقلمًا.
وإذا نكَّستُ الطرفَ باتجاه الأرض، أتخيله شجرة كمثرى مثمرة،
فحرصتُ ألا أفرك عيني بأصابعي، فيتمزق الكتاب وينكسر القلم، أو أقتلع الشجرة من جذورها فأخسر الثمرة.
وحين سقط،
قفزتُ من فوقه كيلا تلامسه أقدامي فينكسر.
ثم تأملتُ فيه، فإذا به حشرة صغيرة جدًا،
لم أتمكن من رؤية مكونات جسدها حتى استعنتُ بتلسكوب صغير،
فرأيتُ ما صنع لي الصدمة والدهشة:
لها أسنان فأر، وعيون ذبابة، وأصابع حرباء صغيرة.
قهقهتُ كمن ضحك على وَهمٍ انكشف له عاريًا من سحره.
ثم دستُها بقدمي حتى تطايرت أجنحتها المزركشة، ومعها رائحة نتنة.
قلت لنفسي:
تخدعنا حواسُّنا كثيرًا؛
فنرى الذبابة فراشة،
ونسمع صوتًا ما يغني، وهو يسكب في مسامعنا الوجع،
ونلامس أجسادًا ملساءَ تكسو جوهرًا من شوك وحشف.
ألم تخدعنا أبصارُنا التي صوَّرت لنا القمر المضيء كقرص صغير،
وهو في حجم كوكب،
وتغزَّلت به قصائد الشعر،
وهو ليس إلا صخورًا وترابًا؟!
رفعتُ رأسي وحدَّقتُ في أشعة الشمس المشرقة،
فسمعتُ صوتًا يهتف بي من خلف شجرة زيتون كانت تتعملق خلف جدار،
كأنه يكلمني ويرسل إليَّ ذلك الصوت:
لا تثقوا بحواسكم من أول انطباع ترسله إلى ذاكرتكم،
وتفحَّصوا كل الصور والمحسوسات بعقولكم قبل أن تصدقوها،
كي تدركوها على حقيقتها.
ثم تذكرتُ ذلك الماء الحار الذي انسكب على يدي وسلخ جلدي وأنا طفل لم ينم تلك الليلة من شدة الألم،
وسألت نفسي:
ما شعرتُ به في تلك اللحظة هو الحرارة الحارقة، وما تحفظه ذاكرتي الآن هو الحدث بدون حرارة.
أليس ذلك دليلًا على أن الانطباع الأول يختلف عن مخزون الذاكرة؟
وكذلك حجم القمر كما تراه العين يختلف عن حقيقته.
العين: ترى قمرًا مضيئًا
والعقل: يعرف حقيقته!
سقط من عيني!
مواضيع ذات صلة