: آخر تحديث

مؤتمر السياسة العالمية وفهم المتغيرات

471
468
523

 عبدالحق عزوزي 

عقد في مدينة مراكش الحمراء الاجتماع السنوي لمؤتمر السياسة العالمية في نسخته العاشرة بمشاركة شخصيات مرموقة وخبراء من مختلف المجالات. ‬ومؤتمر ‬السياسة ‬العالمية ‬هذا، ‬الذي ‬تأسس ‬سنة ‬2008، ‬يعتبر ‬منظمة ‬مستقلة ‬تهدف ‬إلى ‬المساهمة ‬في ‬تحسين ‬الحكامة ‬في ‬كل ‬تجلياتها ‬بغية ‬النهوض ‬بعالم ‬أكثر ‬انفتاحاً ‬وازدهاراً ‬وعدلاً ‬ويحترم ‬تنوع ‬الدول ‬والأمم.

ويتيح هذا الملتقى فرصة النقاش والتداول بشأن الرهانات الإقليمية والدولية الكبرى، في سبيل الإسهام في تحسين الحكامة بمختلف أبعادها بما في ذلك التفكير، واتخاذ القرار، والمراقبة، لأجل خلق عالم أكثر انفتاحاً وأكثر احتراماً للتنوع. ‬وشكل ‬هذا ‬الاجتماع ‬محطة ‬للتفكير ‬المعمق، ‬في ‬جو ‬من ‬النقاش ‬البنّاء، ‬للخروج ‬بأفكار ‬جديدة ‬وابتكار ‬حلول ‬ناجعة ‬كفيلة ‬بتحسين ‬وتطوير ‬النموذج ‬التنموي ‬لبلدان ‬العالم، ‬كما ‬تطرق ‬اللقاء ‬العالمي، ‬في ‬إطار ‬جلسات ‬عامة ‬وورشات، ‬إلى ‬مجموعة ‬من ‬المواضيع ‬تهم «‬مستقبل ‬جنوب ‬شرق ‬أوروبا»‬، ‬و«‬الاستثمار ‬في ‬أفريقيا»‬، ‬و«‬الثقة ‬والحقيقة ‬في ‬العهد ‬الرقمي»‬، ‬و«‬الاقتصاد ‬العالمي»‬، ‬و«‬مستقبل ‬وسائل ‬النقل ‬..الربط ‬والحكامة»‬، ‬و«‬أميركا ‬والعالم بعد ‬سنة ‬من ‬انتخاب ‬ترامب»‬، ‬والذكاء ‬الاصطناعي ‬ومستقبل ‬العمل ‬البشري»‬، ‬و«‬مستقبل ‬التجارة ‬والاستثمارات ‬العالمية»، ‬وغيرها ‬من ‬المواضيع.

ولا يخفى على كل متتبع لبيب أن البيئة الدولية المعاصرة أضحت أكثر ضبابية وأكثر تعقيداً وأكثر غموضاً من أي وقت مضى، «فوهن القوة» هو الطابع الذي يمكن أن نصف به هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ البشرية، فالقوة بمفهومها التقليدي الكلاسيكي فقدت أكثر من معنى مع ازدياد الفاعلين في البيئة الدولية المعقدة. ولم تعد بعض الدول القوية كالولايات المتحدة الأميركية تتوفر على نفس الردع الاقتصادي والعسكري والحمائي، بل وحتى الثقافي كما كانت عندها في السابق، ولم يعد للثنائية القطبية أو الأحادية القطبية نفس المدلول مع صعود اقتصادات الدول الآسيوية، واتساع رقعة الأزمة المالية العالمية والتنافس التجاري العالمي، وتنامى الإجرام العالمي وعولمة الخدمات، وتنامي دور الأفراد في العلاقات الدولية.

كما أن المواطنة العالمية بدأت تتغير معالمها، ولم تعد المصلحة العامة تطغى في سياسات بعض كبار الفاعلين في النظام العالمي الجديد، ويكفي الإشارة إلى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ وآثار ذلك على التعاون الدولي وعلى مستقبل الاتفاقية بأسرها، كما أن هذه المواطنة التي تنظر إلى مصالحها الأنانية دولياً، بدأت تتقلص قواعدها حتى قطرياً، ولعل أفضل مثال يمكن أن نسرده في هذا الباب هو مثال إسبانيا، فقد يظن ظان أن الدولة المركزية عندما تدخلت منذ أسبوعين لإيقاف مسلسل الانفصال في جهة كاتالونيا قد أوقفت هذا الفيروس المجتمعي. لا أظن ذلك، فالمشكلة أولاً وقبل كل شيء هي مشكلة «مواطَنة»، قبل أن تكون سياسية أو اقتصادية. ومن هنا يمكن القول بأن الدولة الإسبانية على غرار العديد من الدول الأوروبية فشلت فشلاً ذريعاً في تعميم قواعد المواطنة، وكونت جيلاً همه مصالحه الضيقة، ولا تهمه إطلاقاً مصلحة الجماعة ولا الدولة الأم، وهذا درس لكل الدول التي لا تقوم بحزمة من الإجراءات التربوية والتعليمية والقهرية منذ البداية في حق مواطنيها وأقاليمها قبل أن يتهافت المتهافتون ضعاف النفوس ويطالبون بالاستقلال عن الدولة الأم.

الذي يحسب لهذا الملتقى هو عدد الاستراتيجيين المشاركين فيه، وخلافاً لما نعهده في لقاءات مشابهة، فإن الحوار كان استراتيجياً، وسعى إلى التنظير الذي يمكن أن يساعدنا بها على توسيع وتنظيم تفكيرنا، وأستحضر هنا كلمات «كلوزفير» عندما يكتب عن النظرية من حيث إنها يجب أن تكون مخصصة للدراسة وليس لتبنيها من حيث هي عقيدة، آنذاك تصبح النظرية دليلاً لكل شخص يريد أن يتعلم (.....) من خلال الكتب، فهي تنير طريقه، وتسهل تقدمه، وتدربه على الحكم السليم، وتساعده على تجنب المأزق.. تكون النظرية بحيث لا يحتاج المرء إلى البدء من جديد كل مرة للتعرف على المسألة وتحليل تفاصيلها، بل يجدها جاهزة بين يديه، ووفق ترتيب جديد. والغاية منها تدريب عقل المرشح ليكون قائداً في المستقبل. فالاستراتيجية التي يحتاجها القادة والفاعلون العموميون اليوم، هي التي تستلزم من صاحبها الإلمام بكل التفاصيل، وتفاصيل العالم الحديث واختلافاته خاصة إذا أخضعت المسألة إلى عملية مؤسساتية أو حوار فكري وطني، بل وعالمي، وهي مسألة شديدة الأهمية ولكن لها نتائج لا يمكن أن توصف.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد