خالد بن حمد المالك
من الطبيعي أن تكون لدى حماس بعض المقترحات التعديلية لمقترح الهدنة مع إسرائيل المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تكون لها وجهة نظر حتى ولو كانت في بعضها شكلية، وربما أن أمريكا تركتها عن عمد لتعطي حماس فرصة الحصول على موافقة من إسرائيل عليها حين يتم اعتراض حماس، لكن ما يجب عدم إغفاله أن قطاع غزة لن يعود إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر، وكذلك حماس وبقية الفصائل الفلسطينية.
* *
قطاع غزة حتى بهذا الاتفاق الذي ترفض إسرائيل أي تعديل عليه حتى الآن لا يبقى للفصائل الفلسطينية، وبينها حركتا حماس والجهاد فرصة لامتلاك السلاح، ولا إدارة القطاع، ولا بقاء قادتها يتمتعون بحرية الحركة وممارسة المقاومة، وتنظيم الصفوف للعودة إلى ما كانت عليه، فقد أصبح الحال في القطاع مهيأ لما هو أسوأ باتفاق ودون اتفاق.
* *
حتى الحياة في قطاع غزة، ستكون صعبة ومؤلمة وغير مستقرة للسكان، ولن يعجز إسرائيل افتعال أسباب لإثارة القلاقل، وربما للعودة إلى الهجمات من حين لآخر، لإزعاج السكان، أو جعلهم في وضع يتمنون لو لم تكن مغامرة السابع من أكتوبر قد حدثت، وما يقدم لهم الآن من مقترح لهدنة الشهرين لا تبدو كافية ومقنعة أمام الخسائر البشرية المروِّعة، والتهديم الشامل للقطاع، بل وليست فيها ضمانة لإيقاف عدوان إسرائيل في المستقبل.
* *
المشروع الأمريكي مبتكر إسرائيل تتبناه أمريكا، أو تشارك فيه، وهو يعتمد في أساسه على إطلاق الرهائن لدى حماس، أكثر منه على إيقاف مجازر إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهو مقترح من مخرجات نتائج تواضع المقاومة لدى حماس بعد أن فقدت قياداتها وسلاحها، وأصبحت إسرائيل تحتل أكثر من ثلثي القطاع، ما يعني أنه ليس أمام حماس القدرة على رفض المقترح الأمريكي، وإلا واجهت ما هو أسوأ، بحسب التهديد الذي أطلقه الرئيس الأمريكي ترامب.
* *
والمحصلة بعد كل هذه الخسائر، أنه لا يوجد ما هو بديل عن هذا المقترح، حتى لو تم التعامل بمرونة مع ملاحظات حماس، ولا يوجد لدى إسرائيل التفكير بإيقاف حربها الإبادية إذا ما رفضت حماس القبول بالمقترح الأمريكي كما هو، وقد تؤيِّدها الولايات المتحدة على ذلك.
* *
إذاً فالأسبوع القادم على أبعد تقدير، سيكون الاتفاق قد تم توقيعه من الطرفين، بعد أخذ بعض ملاحظات حماس الشكلية وليس كلها في التعديل النهائي للمشروع المقترح بضغط من الرئيس الأمريكي على إسرائيل، دون أن يمس ذلك جوهر المقترح، أو يغيِّر من أساسياته التي لا تقبل لا إسرائيل ولا أمريكا المساس بها.
* *
على أن الأمل بعد الشهرين أن يتم إيقاف القتال نهائياً، وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وإن كان ذلك غير مضمون، ولا يشير إليه المقترح، وهو ضمن التعديلات التي تطالب بها حماس، ولن توافق عليها إسرائيل، بتأييد من أمريكا التي تعطي وعوداً لتحقيق ذلك، دون أن تضمن للفلسطينيين تحقيقها.
* *
وما زال الغموض سيد الموقف بالنسبة لمصير قطاع غزة، هل ستديره إسرائيل أم دول أخرى؟ هل سيهجر السكان وإلى أين؟، هل سيكون تحت الاحتلال الإسرائيلي كله أو جزء منه؟ أم أنه سيتحول إلى ريفيرا الشرق بعد أن يؤول إلى ملكية خاصة؟ كل هذا وغيره يلفه الغموض، لكن المؤكد أنه لن تكون للسلطة الفلسطينية فرصة إدارية بديلاً عن حماس.
* *
ومن يضمن خلال مدة الشهرين التزام إسرائيل بما سوف يتم الاتفاق عليه، وهي التي عوَّدت الفلسطينيين والعالم على نكوثها بما تكون قد وقَّعت عليه من اتفاقيات بعد أن تحقق هدفها، بدليل تهربها من اتفاقيات سابقة خلال هذه الحرب وما قبل هذه الحرب وأهمها اتفاق أوسلو، دون وجود قوة تلزمها بذلك، وكأن الفلسطينيين أمام مؤامرة دولية محكمة، ليستمر الوضع على ما هو عليه، وعلى ما اعتدناه من العدو الإسرائيلي منذ احتلاله لفلسطين وإلى اليوم.
* *
حسناً أن تتبنى أمريكا مقترحاً لهدنة قصيرة المدى، ولكن الأهم من ذلك أن تكون عادلة ومنصفة وأن يكون هدفها بعملها هذا وقف حمام الدم، ومنع قتل المزيد من المدنيين الأبرياء تجويعاً أو بالصواريخ والمسيَّرات والدبابات، لأن ما نشاهده في الموقف الأمريكي صادم وضد الإنسانية، ولا يتماشى مع ما ينبغي أن تكون عليه أمريكا، وهي الدولة العظمى بين دول العالم.