: آخر تحديث
قراءة في المتغيرات الاستراتيجية والتحديات القادمة:

الحرب الإسرائيلية – الإيرانية وتحوّلات العقيدة الأمنية

2
2
2

 

في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري وسياسي بين إسرائيل وإيران، تتبدّى ملامح مرحلة جديدة تعيد تشكيل خارطة التهديدات والتحالفات في الشرق الأوسط، وتفرض واقعًا أمنيًا غير مسبوق. هذه الحرب، التي بدأت كمواجهات غير مباشرة عبر الأذرع والميليشيات، سرعان ما اتسعت لتشمل ساحات متعددة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، ما يجعلها أكثر من مجرد نزاع ثنائي، بل صراع إقليمي بامتياز يهدد بتوسّع الجبهات واشتعال المنطقة برمّتها.

وفي هذا السياق، تواجه الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تحديات عميقة تتجاوز المفهوم التقليدي للأمن، وتفرض إعادة النظر في العقيدة الأمنية الوطنية. فلم يعد الأمن مجرد دفاع عن الحدود أو مواجهة للتطرف الداخلي، بل أصبح يشمل مجالات أوسع كالأمن السيبراني، والأمن النووي، والأمن الاقتصادي والمجتمعي، وكلها باتت عرضة لهزات كبرى نتيجة هذا الصراع المحتدم.

الحرب الإسرائيلية – الإيرانية تُنتج سلسلة من المتغيرات الاستراتيجية التي تؤثر بشكل مباشر في توازنات المنطقة. من أبرز هذه المتغيرات إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، حيث تسعى بعض الدول إلى البحث عن بدائل جديدة لضمان أمنها القومي، في حين تتجه قوى أخرى إلى تعزيز الشراكات الدفاعية على أسس جماعية، مدفوعة بشعور مشترك بالخطر. كما أن استخدام أدوات جديدة مثل التهديد النووي، والهجمات السيبرانية، والمسيّرات، يدفع بالعقيدة الأمنية إلى أن تتجاوز نمطها التقليدي نحو أنماط وقائية واستباقية، تُبنى على فهم أوسع وأشمل لطبيعة المخاطر.

في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى تعزيز وعي المواطن بمفهوم الأمن الوطني، بوصفه شريكًا أساسيًا في صناعته لا مجرد متلقٍّ له. كما أن الإعلام الوطني اليوم يُعد أحد الأعمدة التي تسهم في ترسيخ العقيدة الأمنية، من خلال التصدي للحرب النفسية والشائعات، وصناعة الخطاب التوعوي القادر على بناء جبهة داخلية متماسكة. العقيدة الأمنية السعودية اليوم مطالبة بأن تتماشى مع هذه المرحلة، دون أن تفقد ثوابتها الشرعية والوطنية والإنسانية. فالحفاظ على الأمن لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية تفرضها التحديات الآنية والمستقبلية.

أمَّا السيناريوهات المقبلة، فتبقى مفتوحة على احتمالات متعددة؛ فقد يؤدي استمرار الحرب وتصاعدها إلى خلق بيئة من الفوضى تتطلب يقظة دائمة واستعدادًا استباقيًا، في حين أن أي محاولة لتسوية سياسية قد تعيد ترتيب الأولويات الأمنية. وفي كل الأحوال، تبقى العقيدة الأمنية في المملكة أداة استراتيجية للحفاظ على كيان الدولة، وتحصينها من الداخل، وتعزيز حضورها الخارجي كلاعب محوري في استقرار المنطقة.

إنَّ الحرب الإسرائيلية – الإيرانية، بما تحمله من تعقيدات وامتدادات، تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة العقائد الأمنية الوطنية على التكيّف والبقاء، وتعكس حاجة الدول إلى أن تكون سياساتها الأمنية مرنة، شاملة، ومتجددة، في مواجهة عالم لا يعترف إلا بالقوة المدروسة والاستعداد الدائم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.