: آخر تحديث

إيران: أفكار راديكالية للتغيير!

2
1
2

كان غريباً ألّا تتسارع أفكار الإصلاح واقتراحاته في إيران، بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية، وانكسار الأذرع، ومقتل القادة العسكريين والنوويين، وتخاذُل أنصار إيران عن نجدتها. كنت أفكّر أنّ الضجة بعد انتخابات 2009، والضجة بعد مقتل مهسا أميني، كانتا أعلى وذواتي دلالات.

إنما على أي حال، بدأت الأصوات تعلو أخيراً وبمطالب راديكالية، إذا صحَّ التعبير. كان مير حسين موسوي المرشح في انتخابات عام 2009، والذي لا يزال في الإقامة الجبرية منذ عام 2011- قد حمل قبل شهر على الفساد، وليس في ذلك جديد كثير، لولا أنه قصد بذلك «الحرس الثوري» الذي أضعف الدولة وهدر قدراتها رغم ادعاءاته العريضة، وحديثه كل الوقت عن تدمير الأعداء حيثما كانوا! إنما الجديد حقاً الصوت العالي لمهدي كروبي المرشح الآخر في انتخابات عام 2009. كروبي هجم رأساً على البرنامج النووي الإيراني، وقال إنه كان المراد منه أن يوصل البلاد إلى ذروة القوة فأدَّى بها إلى القاع(!)، ماذا بعد الإنفاق الهائل والادعاء الهائل، لا شيء إلاّ ضياع الاتجاه وشماتة الأعداء. فما الحاجة للنووي، والآن ما الحاجة للتخصيب بعد دمار المشروع؟! هذه هي المرة الأولى التي يحمل فيها سياسي إيراني بارز على الملف النووي، بل وليس على الملف بل على البرنامج ذاته الذي تفتخر به إيران منذ عام 2002، بل وقبل ذلك. يزعم الإيرانيون دائماً أنه لأغراض سلمية ومنها توليد الكهرباء والتقدم العلمي والتكنولوجي. بيد أن الأغراض السلمية للنووي لا تحتاج إلى 60 في المائة من التخصيب، بل نص الاتفاق مع إدارة باراك أوباما عام 2015 على 3.5 في المائة! وعلى أي حال فإنّ كروبي بعد أن تحمس كثيراً في مطلع تصريحه إلى حدود إلغاء البرنامج عاد فنصح الإدارة الإيرانية الحالية بالتخلي عن التخصيب طوعاً للوقاية من هجماتٍ جديدة!

حسن روحاني رئيس الجمهورية الإيرانية الأسبق رأى في نشر النفوذ الخارجي عن طريق الأذرع المسلَّحة خطأً كبيراً عرَّض سمعة البلاد للأخطار، وكرّه أكثرية الشعوب التي نشر الإيرانيون ميليشياتهم فيها بإيران وسياساتها، بمن في ذلك الشيعة! إمكانيات ضخمة مهدورة وآثار فاجعة على علاقات إيران مع الجيران العرب والدوليين. وفي حين لم يرد أحدٌ بعد على روحاني، ردّ علي أكبر ولايتي المستشار الأقدم لخامنئي بالقول: لولا «الحشد الشعبي» لابتلعت أميركا العراق(!) بمعنى أنّ إيران أنتجت هذه الميليشيات لصالح البلدان المبتلاة! وكأن أميركا لم تبتلع العراق بالفعل(!).

إلى جانب مير حسين موسوي ومهدي كروبي وحسن روحاني، ظهر طرفٌ رابعٌ يسمي نفسه: جبهة الإصلاحات. وهؤلاء طرحوا برنامجاً شاملاً أوله وقف التخصيب طوعاً، وإقامة علاقات حميمة مع الجيران (العرب)، والدخول معهم في مشروع حلّ الدولتين بفلسطين. وفي الداخل العفو العام، والسياسات الاقتصادية المختلفة.

طوال أربعين عاماً قامت الاستراتيجية الإيرانية على عمودين: الميليشيات المسلحة في الدول العربية، خصوصاً التي فيها أقليات شيعية - ثم مع «حماس» - والبرنامج النووي. وقد علَّلتُ ذلك بأنه انحشارٌ بين الموقع والدور. فكل مرة توحدت فيها الهضبة الإيرانية تحت سلطةٍ واحدة، طمحت للاستقواء المطلق باسم القومية وفي عهد الجمهورية الإسلامية: الاستقواء بالدين. والاستقواء القومي يزعج الأقليات الأذرية والبلوشية والكردية والعربية، والاستقواء بالدين يزعج الشعب الإيراني كلَّه باستثناء القلة المنتفعة من النظام مباشرةً. والركن الثاني لاستراتيجية إيران في عهد الجمهورية الإسلامية: البرنامج النووي، ونشر الميليشيات العقائدية في الخارج القريب والبعيد إن أمكن تحت اسم: تصدير الثورة! في عام 2004 وكان الأميركيون والأوروبيون قد حولوا ملف إيران النووي من الوكالة إلى مجلس الأمن، قال لي الشيخ محمد علي التسخيري: من قال لك إنّ النووي من أجل الخوف من العدو الخارجي، إنه متعدد الأسباب ومنها الهيبة والموقع والدور.

إن هذا الفهم لموقع إيران الاستراتيجي ودورها يتعرض الآن بعد الضربات والهزائم لنقد جذري من سياسيين بارزين إيرانيين ليسوا جميعاً من المحسوبين على المعارضة للنظام. فهل يمتلك النظام الجامد في مواقعه وأفكاره منذ ثلاثة عقود وأكثر القدرة على التغيير من أجل تجديد العمر والبقاء؟ قال إعلامي إيراني بارز معلقاً على تصريحات كروبي وروحاني: هذه في نظر أهل النظام وصفة للتصديع والهدم تماماً مثلما كان عليه الأمر مع النظام الأسدي: إما البقاء على علاّته أو الانهدام، وهو على أي حال لن ينهدم من الخارج!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد