: آخر تحديث

أهمية القراءة والمتعة

1
1
1

أحمد المغلوث

أحسن الفتي وضع طاقيته علي رأسه، وتأكد من وجود الخمسة ريالات في جيبه.

كان الوقت عصراً وبارداً، وهواء منعش يلفح وجهه، هواء شمالي، والحركة في شارع الحزم المجاور للمدرسة الثانية، والذي يقع بجواره جامع داود، وعدد محدود من المارة يعبرون أمام الجامع، وكان باعة المحلات التي تحتل الجهة الشمالية للجامع بعضهم جلسوا أمام محلاتهم.

والبعض الآخر كانوا مشغولين بالحديث مع جيرانهم، وهم يتناقلون آخر أخبار من فاز في جولة «المصارعة» الحرة، التي عرضها تلفزيون الظهران.. ليلة البارحة، وكيف كان يشدهم المعلق اللطيف «عيسى الجودر» بأسلوبه ولهجته البحرينية البسيطة، والتي جذبت له الآلاف من المعجبين على مستوى الشرقية والأحساء وحتى المنامة ومدن أخرى خليجية التي يصل إليها بث تلفزيون الظهران، وهم يرددون ويعيدون تعليقات المعلق: يا الله.. يا الله راح فيها طب عليه.. أسدحه... إلخ.

فجأة تطلع إليه صاحب الدكان: خير يا ولدي أمر، فرد عليه صاحبنا الفتى وهو يمد يه بورقة الخمسة ريالات.. أحتاج لو سمحت أحجار «بوجلي». اللي عندي انتهت.

ما صار «يولع» هز رأسه.. وهو يقول: معقولة «ما يولع» ألست شاريا أحجارا قبل أول الأسبوع.. ليه ما في بيتكم «كهرب».

اللي أعرفه كل بيوت الديرة صار فيها كهرب.. فرد عليه الفتى.. عندنا وإياك خير بس يا عمي أنا أحتاج «للبوجلي» لشيء آخر.. بيني وبينك أنا أحب أقرأ وشقيقي وبعد ما «تطفي أمي نور غرفتنا» وتتأكد إننا رحنا في سابع نومة نقوم باستخدام «البوجلي» لقراءة الروايات والمجلات وكلانا نحبها، فجأة تطلع إليه الرجل الذي بجانب البائع وقال وهو يحرك «أصابع يديه» المعروفة وهو يلف داخل ورقة «الكاغد» بعض أوراق الدخان: ماذا تقول: كل واحد منكما يقرأ تحت البطانية وعلى ضوء المصباح ما تخافون من الله.. تخسرون أبوكم.. الخمسة ريالات. تجيب لبيتكم.. وتجيب،

فنظر إليه الفتى وقال: يا الحجي ما تطالع نفسك، جالس تلف الدخان المضر لصحتك، وحتى لأهلك، وحتى لمصاريف بيتكم.. حدق فيه الرجل العجوز بامتعاض.

وهو لا يكاد يصدق أذنيه رد الفتي، وإذا بصاحب الدكان يردد تعوذا من الشيطان.

قال ذلك وهو يناول الفتى الأحجار المطلوبة، وهو يتمتم بارك الله فيك..! ثم أومأ له بإشارة من عينيه أن يذهب.. استدار وانسحب الفتي من أمام الدكان عائداً إلى بيتهم وهو يمني نفسه بسهرة ممتعة مع ما توفر لديه وشقيقه من روايات ومجلات أدبية مختلفة والحمد لله وجد المطلوب من أحجار الشحن.. وراح وهو يسير في اتجاه بيتهم باعتزاز وسعادة فسوف يقضي بعضا من الوقت وهو يقرأ ويقرأ ويستمتع ويتعلم أشياء كثيرة وجديدة لا توجد في كتب المدرسة..

وراح يردد بينه وبين نفسه آه لو يعرف ذلك الرجل «مدمن» الدخان اللف كم أهمية القراءة وما تثيره في نفوس عشاقها الكبار والصغار من متعه لا حدود لها انها تجعلك تحس أنك ترافق الكاتب أو الروائي وهو يكتب بل تكاد تسمع «حفيف» الورق وأنت تقلب صفحات الكتاب الذي بين يديك أو الصحيفة، تشعر بأنك داخل عالم واسع من المعلومات، بل تكاد تكون بين من كتب هذا المقال أو بجانب من أعد هذا التحقيق أو تلك التغطية وربما شعرت بوجودك معه وهو يتجول في سوق الخميس أو في أروقة البطحاء..

وكما يقال الشيء بالشيء يذكر، ما زلت أذكر وأنا في هذا العمر اتصال أحد قراء الصحيفة التي كنت أعمل فيها متعاونا وبين يديه التحقيق المصور الذي أعددته وصورته عن «سوق القيصرية» قبل أربعة عقود وأكثر، وهو يقول: وبالمناسبة ما زال حيا يرزق أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية وربما قرأ هذه السطور: أحمد قالها حاف.. لقد أشعرتني أنني أتجول معك داخل القيصرية، بل أكاد أشم رائحتها المتميزة التي عرفت بها منذ القدم، والسؤال الذي يطرح نفسه ونحن نتصفح مواقع الصحف والمجلات من خلال «النت» هل مازلنا نشعر أيضا بمتعة المعايشة والشعور بأننا مع من يكتب مقالاته أو يتحدث بشفافية في سرده القصصي أو الروائي.. ولن أزيد.!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد