: آخر تحديث

مسجد الحي الغائب عن صلاة الجمعة

1
2
2

من يتأمل المشهد وقت صلاة الجمعة يدرك أن هذه الشعيرة الجامعة ابتعدت في كثير من الأحياء عن مقصدها الديني والاجتماعي؛ فأحياءٌ باتت مدنًا صغيرة، يعجّ كل مربع فيها بالآلاف، لا يزال يُكتفى فيها بجامع واحد لصلاة الجمعة، بينما تُغلق عشرات المساجد المجاورة دون مبرر مقنع؛ حتى تحوّل وقت الصلاة من سكينة ولقاء إلى معركة مع الزحام المروري والبشري ومظاهرَ سلبية كثيرة.

عشرات، وربما مئات السيارات، «تشدّ الرحال» إلى مساجد في أحياء مجاورة، بينما جيران الجوامع يضيقون ذرعًا بمشهد يتكرر كل أسبوع من تكدّس وضجيج ووقوف عشوائي، وغيرها من المظاهر التي لا تمتّ لروح عيدنا الأسبوعي بصلة؛ حتى تحولت الشعيرة الجامعة إلى تكلّف أسبوعي لا أصل له في الشرع، ولا ينسجم مع الواقع ومتطلباته.

الجمعة في أصلها عيدٌ أسبوعي للمسلمين، ومناسبةٌ تُعيد التواصل بين الجيران والأقارب وأهالي الحي، لكن حين يُلغى «مسجد الحارة» ويُحشر الناس في جامع واحد يرتحلون إليه، تضيع الغاية الروحية والاجتماعية معًا. فالمسجد القريب ليس مجرد مكان للصلاة، بل نسيج اجتماعي يجمع الوجوه المتآلفة، ويغرس بين القلوب ألفةً ومحبة.

ولعل تجربة جائحة كورونا كانت أوضح دليل على نجاح فكرة إقامة صلاة الجمعة في مساجد الأحياء المجاورة للجوامع، إذ أثبتت التجربة نجاحها في تخفيف الزحام وتيسير أداء الصلاة للجميع دون عناء الارتحال والمزاحمة. فمساجد الأحياء اليوم مجهزة تجهيزًا عاليًا، وتستوعب المئات من المصلين بأنظمة متكاملة وتكييف وخطباءَ مؤهلين، ولا مبرر لاستمرار الحصر الذي لا يراعي الكثافة السكانية ولا التطور العمراني.

لذلك فإن الحاجة اليوم باتت ملحّة إلى إعادة النظر في توزيع مساجد الجمعة داخل المدن، بما ينسجم مع التوسع العمراني والكثافة السكانية المتزايدة. فالكثير من الأحياء تضم مساجد متكاملة التجهيز لكنها تبقى مغلقة وقت الجمعة، في مشهد لا يواكب احتياجات الناس وواقع الأحياء التي باتت أقرب إلى المدن منها إلى الحي الصغير.

من هنا، تأتي الدعوة إلى وزارة الشؤون الإسلامية للمبادرة إلى مراجعة التنظيمات الخاصة بهذا الخصوص، وفتح الباب أمام مساجد الحي لتؤدي دورها الطبيعي، لتبقى الجمعة يومًا للسكينة واللقاء، لا للتزاحم والتكلّف.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد