: آخر تحديث

هل ما زال ممكناً تلافي تجدّد الحرب؟

2
1
2

تلاحقت التحذيرات الأوروبية من أن «ضربة واسعة ضد لبنان قد تكون مسألة وقت فقط». والإعلام الإسرائيلي يتوعد: «إما تنزع الدولة اللبنانية سلاح (حزب الله) أو ستقوم إسرائيل بذلك». والمسيّرات الإسرائيلية تغطي سماء لبنان، وتنبّه جهات أمنية إلى أن العدو يبني بنك أهداف جديداً قد يشمل البنى الأساسية للدولة. يتزامن ذلك مع اتساع رقعة الاعتداءات التي طالت كل البقاع والسلسلتين الشرقية والغربية. والبيانات الإسرائيلية تتشابه: استهداف قوة «الرضوان» ومراكز لتصنيع الصواريخ والمسيّرات. وتضخم تقارير الإعلام العالمي قدرات «الحزب»، في تجاهل غير مسبوق لأبعاد عجزه المطلق عن الرد، وقد باتت الاغتيالات المبرمجة للقيادات الميدانية عملية يومية. ولبنان يعيش حالة سوريالية مع السؤال اليومي: متى تبدأ المرحلة الثانية من الحرب؟

مرتاح «حزب الله» إلى تقارير تضخم قدراته، ويطالب الحكومة بتصحيح «الخطيئة» في قرار «حصرية السلاح». وفي تنكّر لبصمه على اتفاق وقف النار، يزعم أنه رمّم «المقاومة»، مدعياً أنها قوة لبنان، فيوحي بأنه استعاد قرار الحرب والسلم، متجاهلاً التبعات، رافضاً تسليم السلاح اللاشرعي، والتمادي في التخوين ليغطي مسؤوليته عن نكبة حرب «الإسناد».

وبينما لا تُطرح مسؤولية «الحزب» عن أخذ البلد إلى حربين مدمرتين خلال أقل من عقدين، وأن ما يقوم به اليوم يجعل لبنان وكل اللبنانيين رهائن في خدمة مشغّليه، يروج البعض أن تسليم السلاح يتم بشكل «ناعم»، رداً على معطيات ذكرت أن التجميد يلف تنفيذ «حصرية السلاح»، وأن «التعاون» قائم بين القوى العسكرية و«حزب الله» على قاعدة تسليم أنفاق في جنوب الليطاني، والمتبقي من مخازن في منطقة شبه خالية من السكان نتيجة إرهاب العدو الذي قيّد الحركة كلياً. ويطرح السؤال نفسه: بعد هذه النكبة هل ما زال هناك من يصنف هذا السلاح بأنه سلاح صديق، ويتوسل تسلّمه؟

توازياً بالنسبة لبقية المناطق يبدو أن هناك من يعمل وفق قاعدة «الاحتواء» بعدم التساهل مع حمل السلاح أو نقله، والرهان أنه بمثل هذا الأداء يتحول السلاح إلى خردة وسيكون تأثيره منعدماً. طبعاً يحصل كل ذلك ولبنان على مسافة شهر من مرور سنة على اتفاق وقف النار، والنقاش يدور بين تسليم «ناعم» أو «احتواء»، في حين أن المطلوب جمع السلاح لإخراج لبنان من الكارثة، والانتقال إلى تفكيك البنية العسكرية لـ«الحزب»، كما كل بنى القوى الطائفية التي تتلطى خلف عنوان كشفي.

في هذا التوقيت قلبت المشهد مواقف أطلقها الموفد الأميركي توم برّاك، وبينها تحذيره من أن كل لبنان سيكون في المرمى الإسرائيلي، منبهاً إلى مخاطر عدم إنجاز «حصرية السلاح». ومع التصعيد السياسي والميداني بدا أن لا إدراك كاملاً لأبعاد قمة شرم الشيخ، والموافقات على خطة ترمب من ممثلين لنحو مليار و600 مليون إنسان، أجمعوا على خروج المنطقة من زمن الحروب واستعجال إنهاء الأذرع الإيرانية. هنا أطلق رئيس الجمهورية مبادرة الحوار غير المباشر التي وضعها وزير الثقافة غسان سلامة في سياق أنها «نتيجة عدم رضا القوى الخارجية عن مسار تنفيذ خطة الجيش المتعلقة بحصرية السلاح». لكن هذه المحاولة تجابه التطويق برفضها من رئيس البرلمان نبيه برّي مدعوماً من «الحزب»، معتبراً أن لجنة «الميكانيزم» هي المكان الصالح للبحث، وبذلك قفز برّي فوق البند 13 من اتفاق وقف النار الذي نص على الحوار غير المباشر «بهدف حل النقاط المتنازع عليها على طول الخط الأزرق بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن (1701)»!

«حزب الله» يريد تكرار ما كان، وهو أن المفاوضات ليست شأن السلطة اللبنانية، ولا وظيفة للبنان غير أنه ورقة في الملف الإيراني، ويراهن بعضهم على هذا الرفض ليراكم مكاسب على حساب تعطيل قيام الدولة القادرة. والبلد في عين العاصفة، ولا أفق لإعادة الإعمار ولا لعودة المهجّرين وإنهاء أكبر معاناة إنسانية. لقد حمل اتفاق وقف النار شروط المنتصر، بعدما ثبت أن السلاح اللاشرعي لم يكن لحماية لبنان، كما لم يحمِ حامله، بل استدرج الاحتلال، وبات تسليمه من دون إبطاء ممراً وحيداً لقيام وضع يحد من تراكم الخسائر ويتيح بدء مواجهة سياسية لتحرير الأرض، وتوفير مقدرات تتيح عودة مستدامة وآمنة. بعد الطوفان الإسرائيلي والزلزال اللبناني والقتل المجاني، وخطوات العدو لربط جنوب الليطاني بالجنوب السوري لإقامة حزام أمني، لا أولوية تفوق حماية الأرواح بتلافي تجدّد الحرب، وتحرير الداخل تأكيد بأن الكرامة ليست بالسلاح الذي حوّل الجنوب إلى أطلال ويهدد الوجود والمصير. إنه أوان التغيير في النهج، وتمتلك الدولة المدعومة شعبياً قدرات تضع حداً للتخادم المدمر بين «حزب السلاح» والعدو الإسرائيلي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد