: آخر تحديث

التحول السعودي في نظر الغرب

1
1
1

منذ عقود، اعتادت العواصم الغربية أن تعلّمنا “فن التأثير” و”لغة الدبلوماسية”، واليوم تكتشف أن التأثير الحقيقي لا يُصنع بتحالفات عسكرية ولا بعنتريات الخطابات ولا بضوء الكاميرات، بل برؤية هادئة تعرف متى تتكلم ومتى تصمت.

وفي تقريرها اللافت، أفردت صحيفة The Sunday Guardian مساحة وازنة لقراءة التحول السعودي بوصفه مؤشرًا على ولادة نظام عالمي جديد. قراءة متأنّية لواقع يتشكل أمام أعيننا، لا مجاملة إعلامية ولا انبهارًا عابرًا.

لكن الحق أنهم تأخروا كثيرًا في الملاحظة؛ فالعالم كله يضجّ بالتحليل حين تتحرك الرياض خطوة، ويصمت حين تصمت، كأنها أصبحت مركز الجاذبية الجديد في هذا الكون المتعب من الشعارات.

فالمملكة لم تعد تكتفي بدور “الفاعل الإقليمي”، بل أصبحت “المعادلة” ذاتها. ما يجري ليس مجرد تحول سعودي، بل إعادة تعريف للقوة في القرن الحادي والعشرين: القوة التي لا تُقاس بعدد الجيوش ولا بضجيج المنابر، بل بقدرة الدولة على التأثير الهادئ وإعادة رسم الخرائط دون أن تُصدر بيانا واحدًا. ذلك الصمت الذي تتحدث عنه الصحيفة ليس سكونًا، بل لغة جديدة في الدبلوماسية.

فحين يكثر الصخب في العواصم، تختار الرياض أن تصمت، لأنها تدرك أن من يملك القرار لا يحتاج إلى رفع صوته. لقد أدرك العالم أخيرًا أن السعودية لا تبيع الأوهام، ولا ترفع شعارات “تصدير الحرية والديمقراطية” وهي تتدخل في كل شبر من هذا الكوكب؛ إنها تصنع مصالحها ببرود الواثق، وتترك الآخرين يتجادلون حول معناها.

وفي عالمٍ تترنّح فيه القوى الكبرى بين الحروب والتراجع، تظهر المملكة كنموذج متماسك يعرف إلى أين يتجه. نموذج يعيد تعريف المعنى الحقيقي للهيمنة: لا بالغزو، بل بالاحترام؛ لا بالهيمنة الفكرية، بل بالقوة الأخلاقية والاقتصادية التي تفرض حضورها دون أن تُعلن ذلك.

إنها لحظة استثنائية في التاريخ، حين تتحول السعودية إلى دولة يُقاس بها التوازن. ومن هنا، فإن “التحول السعودي” ليس قصة محلية، بل فصل من فصول ولادة نظام عالمي جديد، تُكتب سطوره من الرياض بهدوء، وبتوقيع لا يشبه أحدا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد