: آخر تحديث

هل أصبحت إسرائيل محمية أمريكية؟

3
3
3

رشاد أبو داود

في الثلاثين من أكتوبر 1991 عقد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط بدعوة من الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب. وقتها تمنع رئيس وزراء إسرائيل اسحق شامير عن المشاركة. لكن بوش هدده بوقف المعونات الأمريكية السنوية لإسرائيل، فما كان منه إلا أن رضخ وشارك في المؤتمر.

نتذكر هذه السابقة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية اليوم لجهة الموقف الذي يتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وبصورة أشد قسوة. ذلك أن إسرائيل لا يمكنها أن تعيش من دون المساعدات الأمريكية العسكرية والمالية، وحتى الغطاء السياسي.

وهنا يحسم الجدل أيهما يتحكم بالآخر إسرائيل أم أمريكا..

ترامب ليس بايدن، الدبلوماسي اللين، ولا أوباما الذي ارتضى أن يزور نتانياهو واشنطن ويتحدث إلى الكونغرس من دون أن يلتقيه. بل أجبره أن يعيد طائراته التي كانت في الجو بطريقها لقصف إيران فأعادها، أن يوقف حرب غزة فأوقفها. وإن كان نتانياهو يمارس ألاعيبه في التحايل حتى الآن، لكن ترامب لا يثق بنتانياهو وأعلن ذلك صراحة. رأيناه كيف لا يتركه يوماً من دون أن يرسل مبعوثيه إلى تل أبيب لا لمشاورته، بل ليقولا له ما يجب أن يفعل.

مرة نائبه جي دي فانس، الذي تجاوزه ليجتمع بقادة عسكريين إسرائيليين، وليتحدث إلى الكنيست فيصفق أعضاؤه له ولترامب عندما يذكر اسمه.

ومرة، بل مرات، يرسل مبعوثه ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر أيضاً لينقلا تعليمات ترامب، وأخيراً وليس آخراً وزير الخارجية ماركو روبيو. رغم تزويد إسرائيل المتواصل بالأسلحة والمعدات طيلة سنتي حرب غزة، إلا أن ترامب أدرك أمرين رئيسيين. الأول: أن نتانياهو ذهب بعيداً في القتل والتدمير.

الثاني: أنه فشل في تحقيق أي هدف من الأهداف التي كان يتحدث عنها وكان يقنع ترامب بأنه سيفعل، ولا يفعل. ما يغمض نتانياهو عينيه عنه بسبب شهيته للحرب، وللهرب من مسؤولية السابع من أكتوبر والقضايا المرفوعة عليه في المحاكم الإسرائيلية، يراه ترامب بوضوح. «إسرائيل تفقد مكانتها في العالم بما فيه الدعم في الكونغرس» كما قال.

ترامب لن يتخلى عن إسرائيل، بل، كما يرى محللون إسرائيليون، يريد إنقاذها من نفسها ومن حكومة المتطرفين أمثال سموتريتش وبن غفير ووزير الحرب كاتس، وطبعاً نتانياهو.

ففي أحد الاستطلاعات جاء أن 69% من الإسرائيليين يثقون بترامب مقابل 45% لنتانياهو، علماً أن الاستطلاعات تتباين بين من يجريها، ومن وقت إلى آخر وتتأثر بأحداث متغيرة.

على الرغم من شعبيته، فإن بعض الإسرائيليين ليسوا مرتاحين للتعامل الأمريكي مع إسرائيل، خصوصاً إجبار نتانياهو على قبول خطته للسلام ووقف الحرب، وإعلان ترامب أنه سيدرس حث إسرائيل على إطلاق سراح القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي المعتقل منذ عقدين، وأوامر نتانياهو بوقف دخول المساعدات إلى غزة في أعقاب مقتل جنود إسرائيليين في رفح ثم تراجعه عن قراره بعد ساعتين بضغط أمريكي، ويلقون المسؤولية على نتانياهو.

كبير المحللين العسكريين في «هآرتس» عاموس هاريل قال لشبكة «سي ان ان»: قواعد اللعبة تكتب ونحن نتحدث، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة هي من تدير الأمور، وإسرائيل تلعب وفق قواعدها.

زعيم المعارضة يائير لابيد قال: «لقد حولنا نتانياهو بمفرده إلى محمية تقبل الإملاءات المتعلقة بأمنها». مما لا شك فيه أن يد ترامب هي العليا في إسرائيل، ما يعني أنها فقدت سيادتها، وربما تفقد ما هو أهم إذا واصلت الحكومة الحالية تطرفها وانفصال رئيسها وأعضائها عن الواقع. وكما قال ترامب لنتانياهو: أنت لا تستطيع محاربة العالم. في إشارة إلى عزلتها الدولية.

ترامب أدرك أمرين رئيسيين الأول أن نتانياهو ذهب بعيداً في القتل والتدمير والثاني أنه فشل في تحقيق أي من أهداف الحرب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد