فيصل الشامسي
في زمن تتسارع فيه التحولات الإعلامية العالمية، يظل الإعلام الوطني ركيزة من ركائز بناء الدولة الوطنية الحديثة، وسلاحاً ناعماً في معركة الوعي وصناعة الصورة الذهنية.
ومن هذا المنطلق جاء منتدى الإعلام الإماراتي ليكرس حضور الإمارات في المشهد الإعلامي العالمي، وليؤسس لمرحلة جديدة من التطوير النوعي، تستند إلى رؤية وطنية استشرافية تجمع بين القيم والمستقبل، بين الأصالة والتجديد، وبين الهوية والانفتاح.
المنتدى جاء ليترجم توجيهات القيادة الحكيمة في جعل الإعلام الوطني قوة فكرية ناعمة تعكس مكانة الدولة وريادتها، وتعبر عن إنسانها وهويتها ومنجزها الحضاري.
لم تعد وسائل الإعلام مجرد أدوات لنقل الخبر، بل أصبحت مؤسسات لصياغة الوعي وبناء الانتماء، ومن هنا يركز المنتدى على تعزيز مكانة الإعلام الإماراتي أداة من أدوات الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي.
فالإمارات تدرك أن الرواية الوطنية لا تُبنى تلقائياً، بل تحتاج إلى منظومة إعلامية واعية، قادرة على تحويل التحديات إلى فرص، ونقل رسالة الدولة بلغة راقية تتسم بالمصداقية والاتزان.
ولهذا، فإن المنتدى ناقش بعمق مفهوم «الإعلام المسؤول» الذي يحافظ على قيم الدولة وهويتها، ويصونها من تيارات التضليل، ويغرس في الإعلاميين الإماراتيين روح الانتماء والمهنية في آنٍ واحد.
يعد منتدى الإعلام الإماراتي مختبراً عملياً لتصور مستقبل الإعلام في ظل الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، حيث أصبحت الخوارزميات والمحتوى التفاعلي منصات بديلة للرأي العام.
ولأن الإمارات تعتبر من الدول الرائدة في تبني التكنولوجيا المتقدمة فإن المنتدى يؤكد ضرورة توطين المعرفة الإعلامية الرقمية، وتمكين الشباب الإماراتيين من أدوات الذكاء الاصطناعي لصناعة محتوى يعكس القيم الوطنية ويواكب التطورات التقنية. كما يطرح تساؤلات عميقة حول أخلاقيات الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي، والتوازن بين سرعة النشر ودقة المعلومة، بما يعيد للإعلام دوره كونه «صوتاً للعقل» لا «أداة للضجيج الرقمي».
لقد ركز منتدى الإعلام الإماراتي على ما يمكن تسميته بالدبلوماسية الإعلامية، أي توظيف الإعلام جسراً للتواصل الثقافي والإنساني بين الإمارات والعالم، فالرسالة الإعلامية الإماراتية ليست فقط محلية، بل عالمية الطابع، تهدف إلى إبراز نموذج الدولة وهويتها وقيمها.
وقد جاءت كلمة سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، تحت عنوان «روايتنا الحقيقية.. رسالتنا للعالم» لتعبر عن هذا التوجه الوطني، الذي يسعى إلى تصدير الصورة الحضارية للإمارات، وصياغة خطاب إعلامي يعبر عن روح الدولة وإنجازاتها وإنسانها قبل أي شيء آخر.
من أهم ما طرحه المنتدى هو الاستثمار في الإنسان الإعلامي الإماراتي، بوصفه صانع الوعي وحارس الحقيقة، فالمنتدى يؤكد أن نهضة الإعلام تبدأ من بناء الكوادر المؤهلة الواعية، القادرة على قراءة المشهد العالمي، والتحلي بالمسؤولية الوطنية.
والالتزام بالمصداقية والابتكار في الوقت نفسه، كما دعا المنتدى إلى تفعيل الشراكات بين المؤسسات الإعلامية والأكاديمية لتطوير المناهج والمهارات، وتأسيس بيئة إعلامية تدعم الفكر المستنير وتحصن المجتمع من التأثيرات السلبية للمحتوى العابر للحدود والمخترق للمجتمعات.
إن منتدى الإعلام الإماراتي لا يعد فعالية مهنية فحسب، بل رؤية وطنية متكاملة تسعى إلى تحويل الإعلام إلى مشروع وطني استراتيجي يواكب تطلعات الدولة لمئويتها 2071، فالإعلام في الفكر الوطني هو «ضمير الوطن»، ومنبر للوعي والحكمة وتحصين العقول، وجسر للتنمية والإنسانية والنهضة.
ومن هنا تتجدد رسالة المنتدى أن يكون الإعلام الإماراتي صوت الحكمة، ولسان الهوية، ومرآة الإنجاز، وأن يصوغ روايته بوعيه لا بانفعاله، وبمصداقيته لا بانجرافه، ليبقى كما أرادته الإمارات... إعلاماً من أجل الإنسان، ولأجل الوطن والمستقبل.

