: آخر تحديث
رأي

لماذا لا يفوز أدباء العرب بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟

1
1
1

منذ أن اعتلى نجيب محفوظ منبر العالم سنة 1988 متوَّجًا بجائزة نوبل للآداب، لم يستطع أي كاتب عربي أن يُكرِّر ذلك الإنجاز، بالرغم من غزارة النتاج الأدبي وتنوّع الأصوات المُبدعة من المحيط إلى الخليج. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح: لماذا لم تفُز أي قامة عربية أخرى بعد محفوظ، بالرغم مما شهده الأدب العربي من نضوج فكري وجمالي لافت؟

أولًا: اللغة حاجز بين المبدع والعالم
لا يمكن إنكار أنّ اللغة تُشكّل العتبة الأولى في الوصول إلى اللجان الثقافية العالمية. فالأدب العربي – على عُمقه وأصالته – لا يُترجَم إلى اللغات الكبرى بالقدر الكافي، وغالبًا ما تصل النماذج العربية إلى الغرب عبر ترجمات متأخّرة أو تجارية تفتقد الحس الجمالي للأصل.

حين تُبتر الروح من النص، تضيع فرصة التواصل مع الذائقة الغربية التي تعتمد على الترجمة الدقيقة والإحاطة بالسياق الثقافي.

لقد أدرك محفوظ هذه الإشكالية مُبكّرًا، فحرص على أن تُترجم أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية بمتابعة مباشرة منه، ما جعله معروفًا في الدوائر الأكاديمية الغربية قبل فوزه بسنوات طويلة، بينما ظل معظم الأدباء العرب أسرى محلّياتهم أو غير مكترثين بآليات الانتشار.

ثانيًا: الأدب والسياسة.. ظلال غير بريئة
ثمّة عامل آخر لا يقل تأثيرًا: البعد السياسي. غالبًا ما تُقرأ الجوائز الأدبية الكبرى في سياق ثقافي دولي مشحون بالرموز والمعاني. الغرب لا يقرأ الأدب العربي بمعزل عن السياسة، بل يربط صورة الكاتب بموقفه من قضايا الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها من المفاهيم التي تُشكّل بوابة الاعتراف الثقافي.

حين يتقدّم كاتب عربي يحمل رؤى دينية أو قومية حادّة، فإن لجان التحكيم قد تتردّد في منحه الجائزة خوفًا من الجدل أو الاتهامات. ولعل هذا أحد أسباب بقاء الشاعر أدونيس – بالرغم من ترشيحه المتكرّر لعقود – خارج دائرة نوبل.

ثالثًا: أدونيس.. بين الشعر والفكر والسياسة
يُعد أدونيس (علي أحمد سعيد إسبر) أحد أبرز الأصوات الشعرية والفكرية في القرن العشرين، بل من أكثر الشعراء تأثيرًا في الحداثة العربية. ومع ذلك، لم ينل نوبل بالرغم من مكانته التي تُؤهّله نظريًا لها.

السبب لا يكمن في أدبه فحسب، بل في التباس صورته لدى الغرب والعرب معًا. فهو شاعر رؤيوي تمرّد على القوالب، ومفكّر أثار الجدل بمواقفه من التراث والدين والسياسة. بعضهم رآه "ثورويًا متصالحًا مع الأنظمة"، وآخرون رأوه "شاعر الحرية الممنوع من التكريم". وفي هذا التناقض، تاه صوت أدونيس بين تصورات متباينة لا تُساعد على توافق لجنة نوبل حوله.

لكن الأهم أنّ أدونيس لم يُترجَم على نطاق واسع إلى اللغات الأوروبية، بالرغم من شهرة اسمه. غالبًا ما وصلت قصائده إلى القارئ الغربي عبر مختارات جزئية لا تعكس عمق تجربته. إن غياب الترجمة الدقيقة والاحترافية ظل عائقًا أساسيًا أمام عبور الأدب العربي إلى المنصات العالمية.

رابعًا: أزمة المؤسسات الثقافية العربية
ثمّة تقصير داخلي أيضًا. العالم العربي يفتقر إلى مؤسسات ثقافية تعمل باحتراف على ترشيح الأدباء ودعمهم في المسارات العالمية. في المقابل، تمتلك الدول الإسكندنافية والأوروبية شبكات من المراكز الثقافية والجامعات ودور النشر التي تُسوّق لكتابها بذكاء ومنهجيّة.

أمّا عندنا، فكثيرًا ما يُترك المبدع وحيدًا، لا يجد من يُترجم أعماله أو يُروّج لها. تُنشر الرواية العربية في بيروت أو القاهرة، لكنها لا تخرج منهما إلا صدفةً أو بجهد فردي. وقد صرنا – للأسف – نحتفي بالجوائز المحلية أكثر من سعينا إلى العالمية، وكأن الأدب العربي كُتب ليُقرأ داخل حدوده الجغرافية فقط.

خامسًا: صورة العالم العربي في المخيال الغربي
تلعب الصورة النمطية دورًا خفيًّا كذلك. الغرب ما زال يرى في العالم العربي فضاءً مضطربًا، يتنازعه الدين والسياسة، بينما يربط الأدب بفضاءات أخرى كاليابان أو أميركا اللاتينية حيث يسود الاستقرار المؤسسي والثقافي. هذه النظرة المسبقة تُضعف تلقائيًا فرص الأدباء العرب، لأن لجان نوبل تتأثّر – ولو ضمنيًا – بالصورة الإعلامية والسياسية للعالم العربي.

نحو أفق جديد للجوائز العالمية
غير أنّ الطريق ليس مغلقًا. هناك أصوات عربية شابّة تكتب بعمق إنساني وعالمي يليق بالجوائز الكبرى، مثل: إلياس خوري، وواسيني الأعرج، وحسن داوود، وهدى بركات وغيرهم. الشرط الأساسي هو الانفتاح على العالم عبر الترجمة والتفاعل الثقافي، دون الارتهان لصورة الغرب أو التبعية له.

إن نوبل ليست مقياس القيمة النهائية للأدب، لكنها تظل منبرًا عالميًا يمنح الصوت العربي ما يستحق من حضور وتأثير. وربما يكون الجيل القادم هو الأقدر على حمل الشعلة التي أوقدها محفوظ، بعدما تعلّم أنّ الأدب لا يعيش في العزلة، بل في الحوار مع الإنسانية جمعاء.

خاتمة
ليس السؤال الحقيقي: لماذا لم نفز بعد محفوظ؟ بل: هل أعددنا الشروط التي تجعل الفوز ممكنًا؟ حين نُترجَم، وننفتح، ونبني مؤسسات تُساند المبدعين بدل أن تُهمّشهم، عندها لن تكون نوبل حلمًا بعيدًا، بل نتيجة طبيعية لحضور ثقافي أصيل ومستدام.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات