: آخر تحديث

الرأسمالية العاطفية

2
2
2

سهوب بغدادي

في عالم الرقمنة ومنصات التواصل الاجتماعي التي تؤطر حياتنا من كل حدب وصوب، بات كل شيء معرضًا للعالم الافتراضي وحملات التسويق الضارية من خلاله، فأي شيء قابل للبيع وأن يصبح سلعة، على سبيل المثال لا الحصر، شهدنا خلال الأعوام الماضية من يبيع «التراب» الذي تراكم في سطح منزله، كما نجد من يبيع سلعة واحدة فقط - قد تكون متناهية الصغر ومحدودة الاستخدام - يستوردها بكميات هائلة ويعرف بها، لذا لا نستغرب إذا رأينا تجارة المشاعر، حيث نشهد الترويج على بعض برامج تطوير الذات والتخلي عن العقد الأب والأم والأخت الكبيرة والابن الأوسط والطفل الأخير المدلل، وعقدة المدرسة الخ، فيما تنتشر السلع وتتنوع ما بين كتب ودورات ومحاضرات ومقاطع صوتية لذبذبات وغيرها من المنتجات التي خصصت لجعلك في حالة مشاعرية أفضل، إن القوة الشرائية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمشاعر فمتى صنعت رابطاً وجدانياً للمنتج بشتى العوامل البصرية والسمعية والحسية أضحى التخلي عنه أو استبداله صعبًا، كما نرى في دعايات التلفاز على مر الأزمنة، وفي أيامنا هذه كثرت المناسبات المرتبطة بالمشاعر والاستهلاك في المقام الأول، كعيد الحب، ويوم الأب ويوم الأم ويوم المعلم والأعياد الأخرى التي خُصِّص لها نوع معين من الزينة والسلع كالحلوى والأكلات وما شابه، بل إن الحزن - حمانا الله وإياكم - قد يستغل لحث الأشخاص على الاستهلاك كالتوزيعات التي تهيأ لكسب الأجر، ولن أخوض في هذا السياق، نظرًا لكونه بحراً ولن أتمكن من سبر أغواره في سطور قليلة.

إن الرأسمالية العاطفية Emotional مفهوم نقدي يشير إلى تحويل المشاعر الإنسانية والعلاقات الشخصية إلى سلعة يمكن استغلالها وتسويقها وتحقيق أرباح منها، في هذا النظام، لم يعد الاقتصاد يهتم فقط بالبضائع المادية، بل امتد ليستحوذ على عالمنا العاطفي الداخلي» قد لا تكون الظاهرة سيئة بالكلية ففي بعض الأحيان تحث على الانتماء وبث روح الألفة أو الأمل وغيرها من الإيجابيات، إلا أنها قد تتسبب في الاستنزاف العاطفي والمادي للشخص، وخلق النزاعات والعلاقات السطحية وتأطيرها بشروط وكم وكيف، والأسوأ من ذلك كله أن يفقد الشعور الأساس رونقه ليبهت ويستند إلى منتج رائج في ذلك الحين.

«الرأسمالية ستجعل كل الأشياء سلعًا: الدين، الفن، الأدب، وستسلبها قداستها» - كارل ماركس.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد