عاد الأخوان بعد انتهاء الحرب لموطنهما، ليمارسا تجارة بيع مركبات الجيش، لكن لم يوفقا، فقررا العودة للشرق العربي، وتأسيس شركة لنقل الركاب من بيروت إلى حيفا، لكنهما واجها معارضةً من أصحاب سيارات النقل، فحولا نشاطهما إلى نقل الطرود البريدية.
جاءت فرصتهما الذهبية عام 1923 عندما طلبت منهما القنصلية البريطانية، في دمشق، تولي مهمة نقل الركاب من سوريا إلى بغداد، فأسسا «شركة نارين للنقل»، واكتشفا أقصر طريق بري منتظم يربط بين العاصمتين، ودعمتهما فرنسا، الحاكمة لسوريا، وزودتهما بالذهب لدفعه لقطاع الطرق، من العربان.
مع الوقت كبُر أسطول سياراتهما، بعد أن قاما بشراء حافلات كاديلاك، وكانت في حينها الأضخم في العالم بطول 25 متراً، تتسع لـ32 مسافراً، وكانت المشروبات والأطعمة تقدم للركاب، في رفاهية غير مسبوقة، مع تكييف مركزي. كان طول الطريق 1150 كم، يستغرق قطعه 18 ساعة، لكنَّ صاحبَيها قررا تصفيتها عام 1958، وكان لهما فضل اكتشاف طريق السيارات الحالي قبل مئة عام.
من أشهر من استخدم مركبات «نيرن» د. يحيى الحديدي، بعد أن وقع عقداً مع حكومة الكويت سنة 1940 للعمل طبيباً. ويقول ابنه د. صباح إن والده وصف لهم تلك الرحلة بـ«الفخمة».
* * *
للتاريخ، وقعت بيدي صورة عن عقد عمل د. الحديدي، ولما تضمنه من معلومات جادة وطريفة، اخترت نقل نصه كاملاً، كالتالي:
«عقد اتفاق بين حكومة صاحب السمو أمير الكويت المعظم طرف أول وبين الدكتور يحيى الحديدي، طرف ثاني
وقد تم الاتفاق بين الطرفين المتعاقدين على الشروط التالية:
1. تدفع حكومة سموه للدكتور الحديدي بصفته موظف حكومي راتبا شهريا، لا يستقطع منه تقاعده.
2. تصرف حكومة سموه للطرف الثاني مصروف انتقاله في أول خدمة ومثلها عند انفصاله.
3. يحسب للطرف الثاني نصف راتبه من يوم سفره إلى استلامه الوظيفة، ثم يحسب له الراتب كاملا.
4. مقر الوظيفة عاصمة الكويت وضواحيها.
5. يتعهد الطرف الثاني أن يطبب في مستوصف الحكومة أو في غيره من الأماكن داخل دائرة التطبيب ريثما يتم بناء المستشفى ثم العمل بما تراه الحكومة من ترتيبات أخرى.
6. تعفي حكومة سموه الطرف الثاني من رسم التسجيل مادام في خدمتها، وحينما ينتهي عقده، أو الفصل من الخدمة الحكومية بأية صورة كانت وأراد الاشتغال لحسابه الخاص فيكون خاضع لأحكام البلاد.
7. يستصحب الطرف الثاني معه شهادته الطبية ويجب أن يكون قد مر على اشتغاله في عيادة طبية أو مستشفى مدة سنة كاملة على الأقل.
8. تسمح حكومة سموه للطرف الثاني بشهر عن كل سنة اجازة.
9. عند غياب الطبيب عن الوظيفة من جراء المرض لمدة ستة اسابيع مرة واحدة في السنة يمنح راتبه كاملا خلال هذه المدة وهذه الاجازة المرضية لا تعد من الإجازات الاعتيادية.
10. إذا لم يستطيع الطبيب العودة لعمله بعد انقضاء مدتي الإجازة اللتان منحتا له فيكون معرضا إلى إنهاء خدمته حسب ارادة الحكومة.
11. اذا لم يستطيع الطبيب العودة إلى عمله بعد انقضاء الستة أسابيع فحكومة سموه تمنحه الاجازة الاعتيادية التي يستحقها.
12. إذا لم يستطيع الطبيب العودة إلى عمله الحكومي بعد انقضاء مدتي الاجازة اللتان منحتا له فيكون معرض إلى إنهاء خدمته حسب إرادة، حكومة سموه.
13. مدة هذا العقد ثلاث سنين تعد السنة الأولى منها تجربة للمتعاقدين ويحق للطرفين المتعاقدين إنهاء العقد قبل مدته القانونية على أن يخطر الطرف الثاني قبل ثلاثة شهور مباشرة بفسخ العقد.
14. (البند غير واضح، بسبب ما تركه الشريط اللاصق من أثر على الأصل)
15. مسكن الطبيب وطعامه على حسابه الخاص وللحكومة الخيار في إسكانه في المستشفى بصورة دائمة وفقط عندما يكون طبيبا.... (غير واضح)
16. إذا نشأ خلاف بشأن هذا العقد بين الطرفين يكون حكم سموه باتا بالأمر.
17. يتألف هذا العقد من ستة عشر مادة
22 جمادى الثاني 1359 و 27 جولاي 1940
(التوقيع: عبدالله السالم الصباح، رئيس مجلس شورى الكويت).»
* * *
للعلم: كان د. الحديدي أول طبيب عربي يعمل في الكويت. وكان صاحب أطول تاريخ في العمل في الحكومة، وأصبحت أسرته أول عائلة كويتية تتضمن أطباء على مدى ثلاثة أجيال.
حصل د. الحديدي على الجنسية عام 1968، وتوفي قبل الغزو الصدامي بشهرين، ودفن في الصليبخات.
تنويه:
بدافع الحفاظ على النص الأصلي ومن ناحية الأمانة التاريخية، لم نتدخل في تعديل وتصحيح بعض الأخطاء في نص العقد.
أحمد الصراف

