في الوقت الذي تتسابق فيه دول العالم لاستقطاب السياح، تسير المملكة العربية السعودية بخطى واثقة نحو بناء نموذج جديد يجمع بين العلاج والاقتصاد وجودة الحياة، لتصبح وجهة إقليمية ودولية رائدة في السياحة العلاجية.
هذا التوجه الاستراتيجي يأتي امتدادًا لرؤية القيادة الرشيدة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- التي جعلت صحة الإنسان ورفاهيته أولوية وطنية وركيزة للتنمية المستدامة.
أعلنت وزارة الصحة في يوليو الماضي عن تدشين المرحلة الأولى من المنصة الوطنية للسياحة العلاجية، التي تهدف إلى تسهيل وصول الزوار إلى الخدمات الصحية المتميزة داخل المملكة، وربط المرضى والمستشفيات وشركات السفر في منظومة رقمية موحدة.
وتأتي هذه المبادرة في إطار الاستراتيجية الوطنية للصحة، التي أقرّها مجلس الوزراء السعودي في أبريل 2023، وتهدف إلى تعزيز الابتكار في القطاع الصحي وجذب الاستثمارات الخاصة وتوسيع الشراكات مع مراكز العلاج العالمية.
وقد شهدت المملكة خلال الأعوام الأخيرة طفرة في البنية التحتية الصحية، مع افتتاح مدن طبية متكاملة مثل مدينة الملك سلمان الطبية في المدينة المنورة، ومدينة الملك فيصل الطبية في عسير، ومدينة الملك فهد الطبية في الرياض، والتي تقدم خدمات متقدمة في زراعة الأعضاء، والعلاج الإشعاعي، والتأهيل المتطور.
وتسهم هذه المشاريع في تحقيق أحد أهم أهداف برنامج جودة الحياة ضمن رؤية 2030، عبر رفع كفاءة الرعاية الصحية، وزيادة الخيارات أمام الزائرين من داخل وخارج المملكة.
كما أعلنت الهيئة السعودية للسياحة (روح السعودية) بالتعاون مع وزارة الصحة في مايو 2025 عن إطلاق حملة “استثمر في صحتك”، التي تروّج للسياحة العلاجية والرفاهية الصحية في المدن السعودية الكبرى مثل الرياض وجدة والعلا والشرقية، عبر مراكز متخصصة تقدم مزيجًا من العلاج الطبي والاستجمام الصحي في بيئة آمنة ومتقدمة.
وتشير تقارير رسمية إلى أن المملكة تستهدف استقطاب أكثر من 1.5 مليون سائح علاجي سنويًا بحلول عام 2030، ما يجعل هذا القطاع أحد المحركات الجديدة للنمو الاقتصادي غير النفطي.
كما تسعى الهيئة العامة للغذاء والدواء والمركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها (وقاية) إلى دعم هذا التحول عبر تعزيز معايير الجودة والاعتماد الدولي للمستشفيات السعودية، وهو ما يجعل الخدمات الطبية المقدمة مطابقة لأعلى المعايير العالمية.
إنّ ما يميّز التجربة السعودية في هذا المجال هو التكامل بين الصحة والسياحة والاستثمار؛ فالمملكة لا تبني مستشفيات فقط، بل منظومة اقتصادية قائمة على الوقاية والعلاج والاستشفاء والرفاهية. ويأتي هذا ضمن توجه وطني شامل لتحسين جودة الحياة للمواطن والمقيم والزائر على حد سواء، وهو ما تجسده رؤية 2030 في مقولتها الخالدة: “وطن طموح، باقتصاد مزدهر، ومجتمع حيوي”.
وفي ظل هذا التحول النوعي، نرفع الشكر والعرفان إلى قيادتنا الرشيدة التي جعلت الإنسان أولاً، واستثمرت في صحته قبل كل شيء، لتُحوّل أرض المملكة إلى وجهة شفاء تجمع بين الطب والضيافة والرحمة.
وهكذا… تتحول السعودية من بلد يرسل مرضاه للعلاج في الخارج، إلى وجهة عالمية تستقبل الباحثين عن الشفاء والأمان وجودة الحياة، راسمة بذلك ملامح مرحلة جديدة يكون فيها العلاج رسالة وطنية واقتصادًا مستدامًا وإنسانيةً متجذّرة.

