: آخر تحديث

العقار من التعطيش إلى الإغراق

3
3
3

ماجد قاروب

رسوم الأراضي البيضاء قلبت العقار من الابن البار إلى الابن العاق، الذي لا يرغب فيه أحد ويسعى إلى طرده والبعد عنه والتخلص منه.

ثلاثي الاحتكار من الملاك والمطوّرين والمقاولين انقلبت عليهم قواعد العمل والعرض والطلب بعد أن اعتمدوا ولعقود طويلة سياسة التعطيش، وهي البناء بالقدر الضروري واللازم للتحكم في الأسعار للعقارات والأراضي وجعلها في زيادة دائمة ومستمرة، وعدم ترك أي خيارات للمستهلك سوى الرضوخ لشروطهم وقواعدهم في التسعير، سواءً كان بيعاً أو تأجيراً وحتى الاستثمار.

اليوم، بعد أن أصبحوا مجبرين وملزمين على تطوير أراضيهم وتعميرها وهو أساس تملك العقار، وهو إعمار الأراضي تجنباً لسداد رسوم الأراضي البيضاء، وبالتالي فهم مجبرون على أن يستثمروا على الأقل 10 % من قيمة الأراضي للإعمار والتطوير، عوضاً عن دفعها كرسوم للدولة التي أحسنت وأجادت في جميع القرارات والخطوات التي صدرت منذ توجيه سمو ولي العهد بحلّ أزمة ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات في الرياض.

تلك القرارات التي شملت على تحقيق التوازن في القطاع العقاري برفع الإيقاف عن التصرّف في عدد من الأراضي التي كانت موقوفة سابقًا، وتوفير أراض سكنية مخطّطة ومطوّرة للمواطنين، وإصدار التعديلات على نظام رسوم الأراضي البيضاء بصورة عاجلة لتعزيز المعروض العقاري، ورصد ومراقبة أسعار العقار والرّفع بتقارير دورية.

وكان آخرها وأجملها ضبط العلاقة بين المؤجّر والمستأجر بتجميد أسعار الإيجارات لمدة خمس سنوات سيتم خلالها بناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية، ليس فقط في الرياض بل وجميع مناطق المملكة؛ ممّا يجعل هناك معروضاً كافياً وفائضاً في السوق قد يصل إلى الإغراق بما يساهم في خفض الأسعار بصورة كبيرة وملحوظة لجهة الاستثمار أو التأجير وكذلك البيع والشراء، ولعلّ ما أعلنه معالي وزير البلديات والإسكان من الاتفاق مع شركة صينية لبناء 26 ألف وحدة خلال العام القادم يصبّ في هذا الاتجاه ليتحول واقع السوق العقاري من التعطيش لعقود سابقة إلى الإغراق لعقود قادمة يتحكم فيها المستهلك بالسوق لينعم بالرخاء وجودة الحياة التي تمكّنه من اختيار المسكن الملائم بالشراء أو التأجير ، وتكون قواعد الاستثمار مقبولة ومعقولة بعيداً عن قواعد الاحتكار، وتعيد البنوك وجهات التمويل أساليبها في تمويل العمل العقاري.

هذه التعديلات الجذرية على واقع السوق والإستثمار وأسعار العقارات يجب أن تحتّم على أمانات البلديات و وزارة البلديات والإسكان مراجعة قواعد التخصيص للمخططات والأراضي وأيضاً شروط وقواعد الإستثمارات، فلن تستمر أراضي البلدية المتاحة للإستثمار فرصة متميزة من حيث سعر وقيمة الإستثمار مقارنةً بارتفاع الأسعار السابق، فاليوم أصحاب الأراضي سيكونون منافسين أقوياء لتقديم أراضيهم للإستثمار بأسعار منافسة بل مفضّلة عن أسعار البلديات لتجنّب سداد رسوم الأراضي البيضاء والحفاظ على أراضيهم دون تكبّدهم مشاق الإستثمار المباشر ، وذلك بطرحها للاستثمار للقطاع الخاص بما يتيح مساحات أراض كبيرة للمستثمرين في مختلف المجالات والقطاعات،

وهذا يحتّم على البلدية أن تتيح الإستثمارات المتنوّعة خاصةً في القطاعات الإستراتيجية الجديدة للدولة في الرياضة والسياحة والضيافة والمطاعم والكافيهات، بحيث يمكن أن تكون في داخل الأحياء وليس بالضرورة على الشوارع الرئيسية والعامّة بما يمكّن من تحقيق رؤية 2030.

وفي الختام، أتمنى ألا تكون إعلانات المشاريع العقارية الجديدة عبارة عن لوحات وأسوار لتجنّب سداد الرسوم بادّعاء العمل والاستثمار ومن ثمّ خلق المشاكل لسنواتٍ طويلة كحيلة قانونية، وهنا أذكّر بأنها طريقة مكشوفة وواضحة تتصدّى لها مجمل القوانين والمؤسسات الحكومية في زمن النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد والحفاظ على حقوق المواطن في جودة الحياة، راجياً من تعزيز قدرات منصّة إيجار ومحاكم التنفيذ لأن لها أدوار مضاعفة خلال الفترة القادمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد