: آخر تحديث

«إنفيديا» وإيلون والثراء المتوحش

2
2
3

بينما كان جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، صانعة الرقائق الإلكترونية، في رحلة آسيوية للقاء ترامب، يوم الأربعاء الماضي، تجاوزت قيمة شركته 5 تريليونات دولار. كان ذلك استعراضاً للثروة لم يكن من الممكن تخيُّله قبل بضع سنوات. هذا جعل «إنفيديا» أول شركة في العالم، تتجاوز قيمتها السوقية 5 تريليونات دولار، وهو مثال متوحش على تراكم الثروة بيد القلة من الشركات، وحتى الأفراد، وعلى الأهمية الإستراتيجية لهذه الشركة، التي أضافت تريليون دولار، (التريليون = 1.000.000.000.000 / 12 صفراً)، إلى قيمتها السوقية في الأشهر الأربعة الماضية فقط، ويحدث ذلك في الوقت الذي لا يزيد فيه دخل الفرد، في دول كثيرة، على دولارين في اليوم.

كما وصل إجمالي قيمة «إنفيديا»، و«مايكروسوفت»، و«أبل»، و«ألفابيت»، و«أمازون»، و«ميتا»، و«تسلا»، مجتمعةً، إلى أكثر من 20 تريليون دولار، وكل هذا «التورُّم المالي» والتركيز في الثروة، حدث في السنوات القليلة الماضية، في مؤشر ينبئ عن ابتعادنا المستمر عن الكثير من قيمنا لمصلحة شركاتنا وأثريائنا، والمأساة أن الانهيار سيكون تأثيره أشد ضرراً وأسرع وقوعاً، فهذا النمو المخيف والمذهل في تكوين الثروات لم يأتِ من دون تحذير الكثيرين من انفجار الفقاعة (على افتراض وجودها)، فالكثير من البنوك المركزية بدأت بحبس أنفاسها، بعد أن أصبحت أسواق المال تعتمد بشكل متزايد على مجموعة من شركات التكنولوجيا، التي تحقق مليارات الدولارات من الأرباح، وتنفق ببذخ لتطوير «تقنية غير مسبوقة»، تحتاج إلى تحقيق عوائد هائلة مستقبلاً، في الوقت الذي لا تدفع فيه إلا القليل من الضرائب.

من جانب آخر، هناك من لا يرى في الأمر مشكلة، ويشعر بتفاؤل من استمرار النمو، ويضع ثقته بما سيحققه الذكاء الاصطناعي من معجزات.

سبق أن عرف العالم، في الربع الأول من القرن العشرين، أغنى رجل في شخص جون روكفلر، عندما سيطرت شركاته على قرابة 90% من صناعة النفط الأمريكية. وعندما مرض كان عليه الاختيار بين ثروته أو حياته، فاختار الحياة، وتبرّع لبناء مؤسسات تعليمية وصحية، ومعاهد أبحاث، وساعد في القضاء على أوبئة، ووضع برامج تعليمية أثّرت في حياة الملايين، بعد أن تحوّل من الأخذ إلى العطاء، ومن عطاياه الأرض التي أقيمت عليها مباني الأمم المتحدة في نيويورك، ومات عن 97 عاماً، بينما كان أطباؤه يتوقعون ألا يتجاوز عمره الستين بكثير.

أما مليارديرية اليوم فلبعض كبارهم أعمال خيرية عظيمة، خاصة بيل غيتس مؤسس «مايكروسوفت»، ووارن بافيت مؤسس «بيركشاير هاثاوي».

أما الرجل الذي وصل إلى ثراء لم وربما لن يبلغه أحد، فهو إيلون ماسك، الذي أصبح أول إنسان في التاريخ تتجاوز ثروته تريليون دولار، بعد أن أقرّ مساهمو شركة تسلا للسيارات الكهربائية، حزمة أجور غير مسبوقة، تصل قيمتها إلى نحو تريليون دولار، خلال جمعية الشركة العمومية، يوم الخميس الماضي، وقبلها كان ماسك أصلاً أغنى رجل في العالم.

* * *

لا يمكن أن يستمر هذا التكدّس المتوحش للثروة إلى الأبد، فهذا في نظر الخبراء سيدمّر أموراً كثيرة، وأحد أدلتها وصول الاشتراكي «ممداني» إلى سدة عمدة نيويورك، عاصمة هذا الثراء المنقطع النظير، ولم يكن ليحدث ذلك لولا سوء الأوضاع الاجتماعية، وتزايد الفقر في الكثير من أغنى ولايات أمريكا، بشكل أصبح يدعو إلى الرثاء والقلق، وأحد أسباب ذلك يعود، بدرجة كبيرة، إلى فساد نظام الضرائب، وتعديله يتطلب موافقة الكونغرس، وأعضاؤه لا يمكنهم النجاح في الانتخابات بغير أموال هؤلاء الأثرياء، فكيف بالإمكان تعديل هذا الوضع المقلوب.. تعال حلها!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد