: آخر تحديث

اقتصاد التجربة

1
1
2

لا يكفي اليوم أن تبيع منتجاً أو تقدم خدمة بمعناها المباشر، لأن المستهلك يتعامل مع التجربة بوصفها العنصر الذي يحدد قيمة ما يشتريه ويمنحه دافعاً للعودة.. وهذا ما يشكل نظرته تجاه تفاصيل تبدو بسيطة لكنها تملك أثراً كبيراً، مثل شكل المكان، وطريقة التقديم، ووضوح الإجراء، والإحساس العام الذي يصاحب لحظة الوصول وحتى انتهاء التجربة.. يتحرك المستهلك وفق منظومة متكاملة تمنحه شعوراً بالانسجام، ويقيّم الخدمة من خلال قدرتها على خلق تجربة متماسكة تترك أثراً إيجابياً يمتد إلى قراراته المستقبلية.

تتوسع هذه النظرة مع تنامي الفعاليات وارتفاع مستوى التنظيم داخل المدن، وهذا ما يجعل التجربة جزءاً من هوية المكان، وعنصراً مؤثراً في تنافسية القطاعات.. فالمستهلك يعتمد على التجربة في تحديد قيمة المواقع والأنشطة، ويمنحها وزناً كبيراً عند المقارنة بين الخيارات التي تتوافر له.. ينعكس ذلك على أسلوب عمل المنشآت التي تطور خدماتها وفق توقعات الجمهور، وتعتمد نماذج تركز على الإحساس الذي يرافق المستخدم، وليس على المنتج وحده.. لذلك "اقتصاد التجربة" يؤثر في تطور المدن التي تعمل على بناء بيئات حضرية تمنح المستفيد شعوراً متكاملاً، وتدعم قطاعات تعتمد على الابتكار في طريقة تقديم خدماتها.. وهذا لا يكون إلا من خلال مشاريع تعيد تصميم المساحات، وتوسع خيارات الزوار، وتمنح الأنشطة اليومية قيمة إضافية تنعكس على جودة الحياة.. وهو ما تعتمد عليه الجهات التنظيمية في تطوير الوجهات، حيث تعمل على صياغة برامج تسمح للمستهلك أو المستفيد بخوض تجربة واضحة الإيقاع، متناسقة في التفاصيل، وقادرة على تعزيز ارتباطه بالمكان.. وتزداد أهمية هذه التجربة مع تنوع الفعاليات الثقافية والترفيهية، وتوسع المشاريع التجارية، وارتفاع وعي الجمهور بأنماط الاستهلاك التي تقوم على الشعور قبل المنتج، لأن هذه التجارب المتكاملة تسهم في رفع مدة بقاء الزائر داخل المواقع، وزيادة معدل إنفاقه، وخلق فرص جديدة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة عبر خدمات تقدم قيمة تعتمد على التفاعل والتنظيم.

اليوم.. يتشكل حول هذه التجارب اقتصاد واسع يرتبط بالضيافة واللوجستيات والتجزئة، ويعتمد على تصميم يعكس احتياجات الجمهور وطبيعة الحركة داخل المدن.. هذا التحول يؤثر على شكل الخدمات، ويقود مقدميها إلى تطوير نماذج مختلفة تهتم بالتفاصيل، وتعمل على بناء محتوى يعزز العلاقة بين المستفيد والوجهة أو النشاط هذا ما نشاهده اليوم في فعاليات المواسم في المملكة خصوصاً موسم الرياض الذي جسد هذا المفهوم وأصبح ينافس الفعاليات العالمية في نموذج التجربة، لذلك لا يكفي أن تبيع منتجاً أو خدمة أو فعالية إنما تجربة تبقى وتعود للذهن وتربط المستفيد بها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد