حمد الحمد
في الثمانينات كنت أزور عمتي سارة... الله يرحمها، حيث تسكن في الرياض، وعندما أجلس معها لا تحدثني إلا عن حسينوه وسعد وأبوصالح وقحطة، طاقم مسلسل درب الزلق، ولا تعرف من الكويت إلا هم. وسمعت أن أهل موريتانيا مغرمون بمسلسل رقية وسبيكة، حتى أنه إذا عرضت إحدى حلقاته يتركون أشغالهم ويتابعونه. وسمعت مرة أباً سعودياً يشتكي من ابنته الصغيرة التي أصبحت تتكلم «كويتي» من كثرة مشاهدتها للدراما الكويتية.
وفي تورنتو، بكندا، كنت مع سائق تاكسي فلسطيني من مواليد الكويت، عندما عرف أنني من الكويت أبلغني أنه ينتظر آخر شريط لعبدالكريم عبدالقادر، ويطلبه؛ حيث هو مطربه المفضل، وهو من يربطه مع الكويت.
وعندما نكون في الخارج ونلتقي أحد العرب إلا ويكون السؤال عن «مجلة العربي» و«عالم المعرفة»، وفي سفرتي الأخيرة لبغداد سألني عراقي عن اللاعب حمد بوحمد، وآخر يسألني عن الفنان عبدالحسين عبدالرضا. وفي القاهرة لا عازف يحصل على إجازة بالموسيقى، إلا يكون يجيد عزف أغنية «ابعاد» وهي من كلمات فايق عبدالجليل، وألحان يوسف المهنا، ومواطن بحريني علق صورة لشخصية ما في مجلسه وسأله صديق من هذا؟ فقال ألا تعرفه؟! إنه الموسيقار الكويتي الكبير أحمد باقر، وأخ مصري ذكر لي أنه كان يعمل حارس أمن في مجمع، وذات يوم قرر أن يعود إلى بلده، لكن في المجمع سمع صوت موسيقى وغناء أعجبه، راح ووجد محل تسجيلات، إلا هو يبث شريطاً لأغنية أعجبته موسيقاها وغناؤها، سأل من هذا؟ قيل هذه أغنية (عطشان) من شعر فايق عبدالجليل وغناء وألحان عبادي الجوهر... يقول بعد ما سمعت هذا الإبداع ألغيت فكرة السفر لأنه يوجد في هذه الأرض إبداع جميل.
ما أعنيه أن أسماء وأسماء صنعت ثقافتنا على أكثر من نصف قرن، ووصلت إلى كل أنحاء العالم العربي وأبعد من ذلك.
وهذه الأيام هناك توجيه حكومي نشكرها عليه، وهو فتح أبواب السياحة لاكتشاف الكويت، لكن نعترف أن عندنا في الكويت أفخم مول في العالم، وكذلك معلم تراثي هو سوق المباركية، لكن السياح يعرفون الكويت بالثقافة والإبداع والتميز، ومتعلقون بها وجدانياً، وهذا تاريخ صنعته على مدى نصف قرن أسماء وأسماء، ولم يأت بالحظ، حيث الثقافة تبقى، والأشياء المادية تزول مع الزمن.
لهذا المقترح هو إنشاء مجمع نطلق عليه (مجمع المتاحف)، يضم العديد من المتاحف، متحف للدراما وملامح درب الزلق ومسلسل الأقدار وغيرها من أسماء، ومتحف للمسرح وتاريخه وتطوره من الخمسينات ومسرحية الكويت سنة 2000 حتى باي باي لندن، ومتحف للثقافة من شعر ونثر وأشعار من فهد العسكر إلى خليفة الوقيان، ومتحف لرموز الشعر الشعبي من حمود الناصر البدر إلى مرشد البذال وفهد بورسلي وسليمان الهويدي، ومتحف الفن التشكيلي ورموز من معجب الدوسري إلى أيوب حسين وآخرين، ومتحف للصحافة وتطورها من مجلة العربي إلى تاريخ صحافتنا، ومتحف للموسيقى والغناء من عبدالله الفرح إلى عبداللطيف الكويتي وعبدالله الفضالة إلى سعود الراشد وعوض الدوخي وغنام الديكان وأسماء كبيرة والفرق الشعبية التي لها تاريخ، ومتحف للرياضة وأسماء علقت في الذاكرة من اللاعب الدولة إلى مرزوق إلى فاروق إبراهيم وجاسم يعقوب إلى فيصل الدخيل والعنبري وغيرهم. ومتحف للتطور السياسي وحتى إقرار دستور 1962 ومراحل العمل البرلماني.
لو يكون هذا المجمع في أرض المعارض أو في مكان آخر ويكون مفتوحاً لسياح الكويت، وكذلك لطلبة المدارس والجامعات وللمواطنين كافّة حيث هذا المجمع ذاكرة للوطن لا تنسى.
أما المولات فهي مراكز تسوق وأكل ما لذ وطاب، وفيلكا وآثار الصبية لم نصنعها نحن لكن تستحق الزيارة، لكن قد يكون اهتمام السائح الخليجي والعربي بما هو مرتبط به وجدانياً بهذا البلد وإبداعه.
فكرة ومقترح من قبلي... هل ينفذ من قبل جهاز حكومي أو قطاع خاص؟... لا أعرف لكن... إن خرج المقترح للنور...لا تنسوا أنني صاحب الفكرة والمبادر.
وسلامتكم.

