ليس كل من عبرَ المكان تركَ أثرًا،
فهناك من يمشي بخفّة المعنى، لكنّ الأرض تحفظ خطواته كوصيّة.
يمرّ كأن الصمت يفسح له الطريق،
ويترك خلفه ما يشبه البهاء المستتر،
وذلك النوع من الحضور الذي لا يُرى، بل يُشعَر به.
فالأيقونة ليست مديحًا لجمال ظاهر،
بل انحناءة الوعي أمام من جمع بين البساطة والسمو،
ومن جعل من الصدق جمالًا، ومن الثبات لغة للخلود.
فهي الصورة التي لا تبهت لأن أصلها روح لا من مادة،
ومن ضوء يعرف طريقه حتى في العتمة.
فنقول "أيقونة" لمن لم يكن وجهًا في الزحام،
بل علامة في الذاكرة،
لمن مرَّ ولم يطلب التصفيق،
لكن الزمان نفسه توقّف ليشهد أنه كان هنا.
ولمن جعل من صمته بيانًا،
ومن مواقفه منارات لا تنطفئ مهما تعاقب الليل.
لمن لم يورّثنا كلمات فحسب، بل ضوءًا يُهتدى به.
فالأيقونة لا تُنحت في الحجر، بل تُكتب في الوعي،
وحين يذكرها الناس، ترتجف المعاني إجلالًا،
كأنهم ينطقون اسمًا من أسماء النور.
ومع مرور الضوء والظلال، ينهض السؤال من تحت الركام،
هل الأيقونة وُلدت من صدق عظيم، أم من حاجة الناس إلى تلميع كل ما يلمع؟
وهل نمنح اللقب لمن يستحق، أم لمن يُتقن الوقوف في الضوء؟
فربما نحن من صنعنا الأيقونات، ثم بالغنا في تمجيدها خوفًا من مواجهة أنفسنا بلا رموز.
ليبقَ السؤال معلّقًا كمرآة في منتصف الوعي، من هو الأيقونة؟
أهو الذي يعبُر النور دون أن يتحدث عن الضوء؟
أم ذاك الذي لا يُرى، لكنّ غيابه يملأ المكان حضورًا؟
وربما الأيقونة الحقيقية ليست في أحد بعينه،
بل في كلّ لحظة صدق تعبر العالم وتنجو من التزييف،
في كلّ إنسان مرّ ولم يترك أثرًا ماديًا،
لكنّه غيّر شيئًا صغيرًا في وعي هذا الكوكب.

