: آخر تحديث

فخ الأدوار

1
1
1

 

 

ليست المشكلة في أن نؤدّي أدوارًا في الحياة،
فهذا جزء من مسؤوليتنا تجاه من نُحب وتجاه مجتمعٍ نعيش فيه.
لكنّ المشكلة الحقيقية تبدأ حين نتحوّل نحن أنفسنا إلى دور؛
كأن يُختصر الفرد بأدوارٍ فُرضت عليه أكثر مما اختارها.

في عائلاتٍ كثيرة، هناك شخصٌ “المُسعِف الدائم”،
وآخر “المستمع الذي لا يحقّ له أن يُسمِع”،
وثالث “القويّ الذي لا يُسمَح له أن ينهار”.
تتراكم هذه الأدوار فوق روحهم كما تتراكم الطبقات على جذع الشجرة،
فتُثقلها دون أن يلحظ أحد.

المجتمع يحبّ من يقوم بدوره بإتقان،
لكنه نادرًا ما يتساءل عمّا يكلّفه ذلك من ذاته.
وهنا يكمن الفخّ الاجتماعي:
أن يُقدَّم الإنسان كأداة نفع قبل أن يُرى كإنسانٍ له حدود واحتياجات.

الأدوار المفروضة تُربّي في داخل صاحبها صمتًا عميقًا؛
صمتُ من يخشى أن يخيّب ظنّ أحد،
أو أن يسقط القناع الذي ارتداه سنين طويلة.
وفي هذا الصمت تتآكل النفس تدريجيًا،
لأنها تضيّع ملامحها الحقيقية في محاولة الحفاظ على الصورة.

الوعي لا يدعونا إلى تمرّدٍ صاخب،
بل إلى تصالحٍ هادئ مع ذواتنا:
أن نفهم أن الإنسان ليس مُلزَمًا أن يكون قوّيًا دائمًا،
ولا متاحًا دائمًا،
ولا مُنقذًا للجميع على حساب نفسه.

فكّ هذا الفخّ يبدأ بجملة بسيطة:
"أنا لست دوري… أنا ذاتي أولًا."

حين يعي الإنسان هذا،
تستقيم علاقاته، وتصبح صحّية أكثر،
ويتعامل مع الآخرين بعطاءٍ متوازن،
لا بدافع الواجب وحده، ولا خوفًا من فقدان الصورة،
بل بدافع النضج والاختيار.

ولعلّ أعظم ما نمنحه لأنفسنا في هذا الزمن السريع
هو أن نسمح لذواتنا أن تكون بشرًا؛
تُخطئ، تتعب، تتراجع، ثم تنهض من جديد.

فالقيمة ليست في الثبات على الدور،
بل في الثبات على الحقيقة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف