: آخر تحديث
بين الإدارات المتعاقبة والرأي العام في الحزبين:

التغيّرات في مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة

0
1
1

شهدت مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة تحولات بارزة، سواء على مستوى الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض أو ضمن الرأي العام داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وبالرغم من استمرار التحالف الإستراتيجي المتين بين الدولتين، فإن ملامح المشهد السياسي داخل الولايات المتحدة تُظهر تغيراً تدريجياً في كيفية النظر إلى إسرائيل، وفي حجم الدعم الممنوح لها وطبيعته.

العلاقات خلال إدارة ترامب الأولى (2017-2021)
مثّلت سنوات إدارة دونالد ترامب الأولى مرحلة ذهبية بالنسبة إلى إسرائيل، إذ حظيت بدعم غير مسبوق في ملفات أساسية، حيث اعترفت واشنطن بأورشليم - القدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها، إضافة إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان. كما لعبت الإدارة دوراً محورياً في توقيع "اتفاقيات أبراهيم" التي طبّعت إسرائيل بموجبها علاقاتها مع دول عربية كالإمارات والبحرين والمغرب.

ترافق ذلك مع تدهور علاقات هذه الإدارة مع الفلسطينيين ووقف المساعدات لوكالة الأونروا. ولذا، اعتُبرت إدارة ترامب الأولى الأكثر انحيازاً لإسرائيل في التاريخ الحديث، وقد التقت سياساتها مع التوجهات اليمينية في إسرائيل، ما عزّز شعور القيادة الإسرائيلية بالدعم المطلق.

العلاقات خلال إدارة بايدن (2021–2024)
مع وصول جو بايدن إلى سدة الحكم، عاد الخطاب الأميركي إلى مقاربة أكثر تقليدية تجاه الصراع. حافظت الإدارة على الالتزام بأمن إسرائيل وبدعمها العسكري، لكنها أعادت التمويل للأونروا وأبدت مواقف أكثر انتقاداً لسياسات الاستيطان.

تفاقمت التوترات بعد اعتداء 7 تشرين الأول (أكتوبر) والحرب في غزة 2023، حيث ازداد قلق واشنطن من إدارة الحكومة الإسرائيلية للملف الفلسطيني بشكل عام وللحرب في غزة على وجه الخصوص. كما شهد الكونغرس نقاشات أكثر حدة حول الشروط التي ينبغي ربطها بالمساعدات العسكرية لإسرائيل. وبالرغم من استمرار الدعم العسكري، باتت إدارة بايدن تُظهر حساسية أكبر تجاه الرأي العام الداخلي وحقوق الإنسان.

العلاقات خلال إدارة ترامب الحالية
بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة للمرة الثانية، تنفس اليمين الإسرائيلي الحاكم الصعداء، حيث كان يعوّل على تصريحات ترامب بالنسبة إلى تشجيع هجرة السكان الفلسطينيين من قطاع غزة وجعله "ريفيرا" وفتح أبواب جهنم على حماس إذا لم تستسلم وتسلّم المختطفين وتفكك سلاحها، إلى جانب ضم أراضٍ في الضفة الغربية إلى إسرائيل. كما انضمت إدارة ترامب إلى الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية بقصف منشأة فوردو، ولكن سرعان ما خابت آمال الأوساط اليمينية عندما أكد الرئيس الأميركي أنه لن يسمح بضم أي أراضٍ في تلك المنطقة، كما فرض شروطه لإنهاء الحرب في غزة على الجانبين. ويُعزى هذا التغير في سياسة ترامب إلى تغلّب التيار الأكثر واقعية في إدارته وأخذه بعين الاعتبار مواقف الدول العربية المعتدلة.

التحولات في الرأي العام الأميركي
تشير استطلاعات الرأي في السنوات الأخيرة إلى فجوة متزايدة بين الحزبين. ففي حين يواصل الجمهوريون دعم إسرائيل بقوة ويميلون إلى تبنّي رؤيتها للصراع، تتراجع نسبة التأييد لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي، خاصة بين الأجيال الشابة والأقليات.

وقد تزايدت الأصوات داخل الحزب الديمقراطي المطالِبة بفرض قيود على المساعدات لإسرائيل أو ربطها بسلوكها في الضفة الغربية وغزة. ويزداد انتقاد قطاعات واسعة من الشباب في هذا الحزب للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، معتبرين أنها تتعارض مع قيم العدالة وحقوق الإنسان. ويلاحظ ازدياد تأثير هذا التوجه على مواقف زعماء الحزب. وفي المقابل، يرى الجمهوريون أن إسرائيل تشكل حصناً استراتيجياً ضد إيران والإرهاب، ويعتبرون الدعم لها مبدأً ثابتاً في السياسة الأميركية. إلا أن هناك توجهاً انعزالياً قوياً داخل هذا الحزب يرى أنه يجب على الولايات المتحدة أن تركز على تطورها الداخلي وألا تنفق أموالاً على التدخل في صراعات خارجية، وهذا يؤثر أيضاً على مواقف الإدارة الحالية.

دور المنظمات اليهودية والنقاش داخل المجتمع اليهودي الأميركي
المجتمع اليهودي الأميركي الذي كان يتمتع تقليدياً بتأثير كبير على السياسات الأميركية بات يشهد انقساماً متزايداً حول إسرائيل. فبينما تواصل منظمات تقليدية كـ AIPAC الدفاع عن دعم غير مشروط لإسرائيل، باتت منظمات أخرى يسارية مثل J Street تدعو لدعم حل الدولتين وتنتقد سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين. كما يشير تزايد النشاط الطلابي المناهض لسياسة إسرائيل داخل الجامعات إلى تغير في المزاج العام تجاه الدولة العبرية، خصوصاً لدى الأجيال الشابة.

وفي الختام يمكن القول إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ما زالت قوية من حيث المصالح الأمنية والعسكرية. غير أن التحولات داخل السياسة الأميركية، واتساع الفجوة بين الحزبين، وتزايد الانتقادات داخل أوساط الشباب والديمقراطيين، قد تؤثر مستقبلاً على طبيعة هذا التحالف. وإذا استمرت الاتجاهات الراهنة، فقد تواجه إسرائيل تحديات أكبر في الحفاظ على الدعم الأميركي التقليدي، ما سيجبرها على إعادة تقييم سياستها الخارجية وتعاملها مع الملف الفلسطيني.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.