: آخر تحديث

الانتخابات في العراق: تفويض شعبي أم ورقة للتفاوض؟!

1
0
1

تعدّ الانتخابات البرلمانية في العراق، منذ عام 2003، محطة سياسية حاسمة لا لأنها تحدد فقط من يمثل الشعب، بل لأنها تطلق سلسلة معقدة من المفاوضات والتسويات السياسية التي تحدد شكل الحكومة القادمة. بالرغم من أن الدستور العراقي يحدد إطاراً زمنياً واضحاً لتشكيل الحكومة، فإن الواقع العملي يظهر أن الانتخابات مجرد بداية لعملية طويلة من التفاوض والمحاصصة القومية والطائفية والحزبية.

فقد نص الدستور العراقي على أن رئيس الجمهورية يكلّف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً في البرلمان بتشكيل الحكومة خلال 15 يوماً من انتخابه، وأن يقدم رئيس الوزراء المكلّف كابينته الوزارية خلال 30 يوماً للحصول على ثقة البرلمان.

لكن في الممارسة، تحولت هذه المراحل إلى مناطق تفاوض سياسي مكثف، حيث تُستخدم النتائج الانتخابية كأوراق تفاوض بين الكتل السياسية، وليس كأساس لتشكيل حكومة تمثل الإرادة الشعبية، وتراعي الوجه الفدرالي للحكم.

بالرغم من أن الدستور لا ينص على توزيع المناصب العليا وفقاً للانتماء القومي أو الطائفي، بيد أن التقاليد السياسية المتبعة منذ عام 2003 فرضت تقاسماً قومياً وطائفياً غير رسمي: رئيس الوزراء شيعي، ورئيس الجمهورية كردي، ورئيس البرلمان سني. هذا التقسيم أصبح جزءاً من "نظام النقاط" غير الرسمي، الذي يوزّع المناصب الوزارية وآلاف الوظائف العليا ("الدرجات الخاصة") بين الكتل السياسية وفقاً لحجمها البرلماني.

مما يعني أن الانتخابات أقرب إلى ورقة للتفاوض أكثر من كونها تفويضاً شعبياً لمن يحكم في الفترة المستقبلية في العراق. لا تعد الانتخابات تفويضاً شعبياً لتنفيذ برنامج سياسي، بل فرصة للأحزاب لقياس وزنها الانتخابي تمهيداً للمفاوضات. وحتى الفائز بالأكثرية لا يضمن الحصول على منصب رئيس الوزراء. ففي انتخابات عام 2021، فاز التيار الصدري بأكبر عدد من المقاعد (73)، لكنه فشل في تشكيل الحكومة، وانسحب من البرلمان، ليفسح المجال أمام إطار التنسيق لتسمية محمد شياع السوداني رئيساً للوزراء.

وفي انتخابات عام 2025 المقررة في 11 من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، من المتوقع أن يحافظ إطار التنسيق الشيعي (التحالف الحاكم) على هيمنته، بالرغم من تراجع شعبيته. ومع ذلك، فإن التنافس داخل الإطار نفسه بين الشخصيات المنضوية في التحالف، وخاصة السوداني رئيس الوزراء الحالي ونوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق، قد يؤدي إلى مفاوضات طويلة وصعبة بعد الانتخابات.

تظهر التجربة العراقية أن الانتخابات لا تحدد بالضرورة من يحكم، بل تعيد ترتيب أوراق القوى داخل النخبة السياسية نفسها. ومع كل دورة انتخابية، يُعاد إنتاج نفس البنية السلطوية، مع تعديلات طفيفة في التحالفات والوجوه. حتى في أحسن الأحوال، تنتج الانتخابات حكومة توافقية موسّعة وهشّة، ترضي الكتل الكبيرة أساساً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.