تتجاوز أزمة المياه المتفاقمة في إيران كونها مجرد تحدٍ بيئي أو اقتصادي لتصبح دليلاً صارخاً على انتهاك ممنهج لحقوق الإنسان الأساسية، تتحمل مسؤوليته الكاملة سياسات نظام ولاية الفقيه على مدى أكثر من أربعة عقود. إن ما يشهده المواطنون الإيرانيون اليوم من جفاف الأنهر وتصحر الأراضي وهبوط التربة ليس نتاج تغيرات مناخية حتمية، بل هو الحصاد المر لحكم الفساد والجشع الذي أعطى الأولوية للمصالح الأيديولوجية والعسكرية لقوات الحرس الثوري على حساب حق الشعب في الحياة والكرامة والعيش في بيئة سليمة.
الحرس الثوري يرفع السلاح بوجه الطبيعة!
إن جوهر هذه المأساة يكمن في سيطرة ما يُعرف بـ"مافيا المياه"، التي يديرها الحرس الثوري والمؤسسات التابعة له. هذه المافيا، التي تسيطر على ما يقرب من نصف الاقتصاد الإيراني، استولت على موارد البلاد المائية وحولتها إلى أداة لتعظيم أرباحها وتمويل مشاريعها القمعية والتوسعية. فقد تم تنفيذ المئات من مشاريع بناء السدود غير المدروسة علمياً وعمليات نقل المياه الكارثية، ليس بهدف تلبية احتياجات المواطنين، بل لخدمة المجمعات الصناعية الضخمة التي يملكها الحرس، مثل مصانع الصلب والبتروكيماويات، والتي تستهلك كميات هائلة من المياه.
وكانت النتيجة المباشرة لهذه السياسات المدمرة هي انتهاك صارخ للحق في الغذاء والحق في العمل. ففي محافظات مثل خوزستان وأصفهان، التي كانت تاريخياً سلال الغذاء لإيران، تم تجفيف الأراضي الزراعية بشكل متعمد عبر تحويل مياه الأنهار التي كانت ترويها. سد "غتونـد" المشؤوم الذي بُني على تلال ملحية أدى إلى تمليح مياه نهر كارون، بينما تسببت مشاريع نقل المياه في جفاف هور العظيم، أحد أكبر أهوار المنطقة، مما أدى إلى تدمير النظام البيئي وزيادة العواصف الترابية بشكل كارثي. لقد تم تجريد ملايين المزارعين من أراضيهم ومصدر رزقهم الوحيد، مما أجبرهم على الهجرة القسرية إلى هوامش المدن ليعيشوا في فقر مدقع، في انتهاك واضح لحقهم في السكن اللائق ومستوى معيشي كافٍ.
علاوة على ذلك، فإن الحق في بيئة صحية وآمنة قد تم التعدي عليه بشكل وحشي. إن الإفراط في استخراج المياه الجوفية عبر آلاف الآبار غير المرخصة التي حفرتها شركات الحرس الثوري أدى إلى ظاهرة هبوط الأرض بمعدلات خطيرة في العديد من السهول، بما في ذلك العاصمة طهران. هذا الأمر لا يهدد البنية التحتية الحيوية فحسب، بل يعرض حياة الملايين للخطر، وهو ما يرقى إلى مستوى تعريض السكان عمداً للخطر البيئي.
وعندما يرفع المواطنون أصواتهم احتجاجاً على سلب حقوقهم، يواجهون انتهاكاً آخر: الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي. لقد شهدت السنوات الأخيرة انتفاضات واحتجاجات واسعة النطاق للمزارعين والمواطنين العاديين في أصفهان وشهركرد وخوزستان ومناطق أخرى، مطالبين بحقهم في المياه. وكان رد النظام، كعادته، هو القمع الوحشي. تم إطلاق النار على المتظاهرين، واعتقال المئات، وممارسة أشد أنواع الترهيب لإسكات أي صوت معارض. إن استخدام القوة المفرطة ضد مواطنين يطالبون بأبسط حقوقهم الأساسية يكشف الطبيعة القمعية لنظام يعتبر بقاءه أهم من حياة شعبه.
إن تحذيرات مسؤولي النظام مؤخراً من احتمالية "إخلاء طهران" بسبب أزمة المياه ليست سوى اعتراف صريح بالفشل الذريع والوصول إلى طريق مسدود هم من تسببوا فيه. إنها محاولة للتنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على الطبيعة، بينما الحقيقة أن هذه الأزمة هي أزمة "حكومية" بامتياز.
رؤية المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية
وفي هذا السياق، تبرز رؤية المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كحل جذري ووحيد. فالمجلس يؤكد أن هذه الكارثة ليست قدراً محتوماً، بل هي نتيجة مباشرة لأربعة عقود من الحكم الفاسد الذي نهب ثروات البلاد. إن إنقاذ إيران من هذه الهاوية البيئية والإنسانية لا يمكن أن يتم إلا من خلال تغيير سياسي شامل. إن الحل لا يكمن في حلول ترقيعية، بل في إسقاط نظام ولاية الفقيه برمته وإقامة جمهورية ديمقراطية برلمانية، تحترم حقوق الإنسان وتضع المصلحة الوطنية وحماية البيئة في صميم أولوياتها. عندها فقط، يمكن إعادة المياه إلى مجاريها، والأرض إلى خصوبتها، والكرامة إلى المواطن الإيراني.


