: آخر تحديث

العرب وأمريكا تحولات الصورة ومتغيرات الآن

1
1
1

عبدالله الزازان

اتسمت علاقة العرب بالولايات المتحدة الأمريكية، في مراحل سابقة، بالتوترات المتبادلة، والأزمات المتصاعدة، والأنماط السلبية، رغم أنها -العلاقات- قديمة، تعود إلى القرن الثامن عشر، عندما بدأت في عام 1876 أولى طلائع الهجرات العربية تفد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتبعتها موجات أخرى من المهاجرين العرب في القرن التاسع عشر، استقر معظمهم في المدن الأمريكية الكبرى. وقد تسبب عدم الفهم المتبادل بين الثقافتين العربية والأمريكية في عزلة المهاجرين العرب داخل تجمعات بالمدن الكبرى كديربورت ونيويورك ولوس أنجلوس، وشيكاجو وهيوستن، ولذلك لم تأخذ دورها بالكامل بسبب فقدان الروابط الاجتماعية مع النواة في المجتمع الأمريكي، فرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية قائمة على الهجرة، فإن الأقلية العربية تواجه تحديات بسبب التمييز الممنهج للأقليات، وصعوبة اندماجهم في الطبقة النواة بالمجتمع الأمريكي، ولذلك لم يكن لهم تأثير ملموس في السياسة الأمريكية. مؤخرًا بدأت تظهر بعض المساهمات السياسية العربية، لكنها لا تزال محدودة مثل بعض جماعات الضغط الممولة، عن طريق شركات العلاقات العامة أو المحامين للتأثير في الرأي العام وصنّاع القرار الأمريكي، أو اللوبيات العربية التي تبنتها بعض الجاليات العربية، والمنظمات الحقوقية، والجمعيات كالجمعية العربية الأمريكية لمكافحة التمييز العنصري، والجمعية الوطنية للعرب الأمريكيين، ومجلس الشؤون العربية الأمريكية، ورابطة خريجي الجامعات الأمريكية العربية، حيث أصبح لهذه الجمعيات وجود على المستوى الاجتماعي والبرلماني والدبلوماسي، وذلك لدعم القضايا العربية. إلا أن تلك اللوبيات والجماعات ليس لديها القوة لمنافسة اللوبيات الأخرى، بخاصة اللوبيات المؤيدة لإسرائيل كمنظمة «أيباك»، «ومؤسسة مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل «وغيرها من المنظمات اليهودية التي تتحرك لصالح إسرائيل داخل مركز القرار الأمريكي، حيث تمكن اللوبي الصهيوني من التسلل إلى الإدارات الأمريكية، واختراق مراكز صنع القرار، والتأثير في المشرعين الأمريكيين، في الوقت الذي لا يوجد فيه لوبي عربي قوي ينهض بقضايا العرب العادلة. الشباب الأمريكي -بشقيه اليساري واليميني- أدرك نفوذ اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في الكونجرس والخارجية الأمريكية، فبدأ الجيل الجديد من الشباب الأمريكي يبحث في خلفيات العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، عن حجم المساعدات الأمريكية التي تقدم لإسرائيل. ففي سؤال وجهه طالب من مجموعة MAGA في جامعة ميسسبي لنائب الرئيس الأمريكي دي فانس عن الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، وهل أمريكا مدينة لإسرائيل بشيء ما، وحزمة المساعدات التي تبلغ مئات المليارات والتي تسببت في التطهير العرقي في غزة. هذا الطالب ينتمي للتيار اليميني المحافظ، ومن أنصار حركة MAGA وهي منظمة سياسية قومية أمريكية تؤيد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وهي اختصار لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً، حيث تعتقد الحركة أن أمريكا كانت من قبل دولة عظيمة، ولكنها فقدت مكانتها بسبب النفوذ الأجنبي، وكان الرئيس الأمريكي الأسبق أول من دعا لهذا الشعار. وتزايدت معارضات الشباب الأمريكي للسياسات الإسرائيلية، والمتمثلة في الاحتجاجات الطلابية في الجامعات، والمظاهرات السلمية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمثل مواجهة الشباب الأمريكي للوبي الصهيوني تحولًا في المشهد السياسي الأمريكي، وتأثيرًا ضاغطًا في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تصدى الشباب الأمريكي للحملات الإعلامية المضللة التي لجأ إليها اللوبي الصهيوني عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، في محاولة لتسويق الرواية الإعلامية الإسرائيلية. وأطلق الشباب الأمريكي حملة مناهضة للوبي الإسرائيلي كحملة «ارفض أيباك»، ويواجه الشباب الأمريكي ضغوطاً سياسية واقتصادية وأكاديمية من قبل أنصار إسرائيل، حيث يخوض معركة أخلاقية ضد اللوبي الصهيوني، الذي يقدم إسرائيل بوصفها واجهة ديمقراطية في الشرق الأوسط. هذه السردية انهارت بعد أحداث غزة، وتلقى اللوبي الصهيوني أكبر الصدمات في تاريخ علاقته بأمريكا، حيث أظهرت استطلاعات الرأي انخفاض أعداد المؤيدين لإسرائيل، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ويعود هذا التغير إلى زيادة الوعي بالقضية الفلسطينية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وزيادة التعاطف مع العرب الفلسطينيين، والنقد المتزايد للسياسات الإسرائيلية، فقد أصبح دعم إسرائيل داخل الولايات المتحدة موضع نقاش. ويحاول اللوبي اليهودي تطوير رسائله الإعلامية لتبرير السياسات الإسرائيلية، والتأثير في الرأي العام الأمريكي، محاولة للتأثير في الشباب من خلال حملات إعلامية تركز على الرواية المؤيدة لإسرائيل، وتمويل برامج أكاديمية وثقافية في الجامعات، والتأثير في وسائل التواصل الاجتماعي. إلا أن هذا التأثير يواجه مقاومة متصاعدة من الشباب الأمريكي الذي أصبح يشكك في صدق الروايات الإسرائيلية. واليوم إسرائيل تعاني من ورطة تاريخية وأزمة مفزعة تهدد وجودها خصوصاً بعد أن تحول وجودها لعبء ثقيل على الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن كيف استطاعت المؤسسة الصهيونية العالمية أن تجر أمريكا لارتكاب هذه الفظائع المؤلمة في حق شعب لا عداء له معها، في الوقت الذي تتغنى فيه أمريكا بالعدل والمساواة وبالديمقراطية التي تنشرها بين العالم. فقد سعت المؤسسة الصهيونية إلى توحيد الخطاب السياسي الأمريكي/ الإسرائيلي، واتفاق السياسات إلى حد التماثل. تارة تحت غطاء الحضارة البيضاء، أو الحليف الإستراتيجي لأمريكا، أو الحائل الرئيسي دون التغلغل السوفيتي سابقًا. والروسي/ الصيني حاليًا، وطورًا تحت مظلة الاضطهاد اليهودي في محاولة لتوحيد التصورات السياسية والإستراتيجية لإنجاح المشروع الصهيوني. رغم أن أهداف المؤسسة الصهيونية مناقضة تامة للأهداف الأمريكية، فإن المنطق الصهيوني فرض نفسه، وصار منطق السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وكانت أمريكا أبرز ضحايا هذا الخطأ الإستراتيجي، الذي وضعها تحت التأثير المباشر للنفوذ الصهيوني الذي قلب الاستراتيجية الأمريكية لصالح إسرائيل. واليوم حركة الشباب الأمريكي قلبت الموازين لصالح القضية العربية الفلسطينية، وهذا تغير مهم في علاقة الشباب الأمريكي بإسرائيل، حيث أصبح المجتمع الأمريكي ينظر لقضية الشرق الأوسط من زاوية حقوق الإنسان الفلسطيني، فلم يعد التسليم بوجهة النظر الإسرائيلية هو السائد، وأصبح ذلك مصدر قلق للصهيونية العالمية. فقد عبر الجمهور الأمريكي عن نظرته لإسرائيل، حيث يرى أن المصلحة الأمريكية لا تتطابق تماماً مع المصلحة الإسرائيلية، فعبارات مثل إسرائيل الحليف الإستراتيجي لأمريكا، والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لم تكن مقنعة. فهل يمكن هذا التحول، الوجود العربي في أمريكا، من صنع لوبي عربي، يكون له دور فعال سواء على الصعيد الشعبي والبرلماني والدبلوماسي، وذلك من خلال إعادة تعريف المنطق السياسي، وطبيعة الحوار، وصياغة لغة نقاش جديدة حول الشرق الأوسط؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد